وردت بعض الآيات في العهد الجديد توهم أن الله ويسوع واحد. فنحن نقرأ: “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ”. (يوحنا 30:10).
وحتى نفهم المقصود بكون يسوع والله واحد، علينا أن نضع الآية السابقة في سياقها الكامل. فنحن نقرأ:
«أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. (يوحنا 10 :29-39).
في الآيات السابقة، يوضح يسوع في معرض حديثه معنى كونه هو والله واحد وكون الآب فيه وكونه في الآب والمقصود بكونه ابن الله. ويبين أن معنى كونه هو والآب واحد وأن الله فيه وأنه في الله أنه يعمل أعمال الله أي أعمالا يستحسنها الله. ويوضح أنه كما وصف اليهود بأنهم آلهة لأنهم صارت إليهم كلمة الله، فهو أيضا موصوف بأنه ابن الله لأنه قد صارت إليه كلمة الله وكان يعمل بأعمال الله.
ومما يستدل به المسيحيون أيضًا على أن يسوع والله واحد الآية التالية:
“لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي”. (يوحنا 17 :21-23).
والعجيب أن محل الشاهد أعلاه هو نفسه محل الدليل على نفي هذا الشاهد. فالآية السابقة تخبرنا أنه ليس فقط الله ويسوع واحدا بل الله ويسوع والحواريون واحدًا. ومثله الآية التالية: “وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ”. (يوحنا 11:17).
كما نقرأ: “لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً” (العبرانيين 11:2).
كما نقرأ أيضا: “لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ” (أفسس 2 :14-18).
ونقرأ: “مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ”. (أفسس 4 :3-6).
من الواضح أن هذا الكلام ليس على حقيقته وإنما ورد على سبيل المجاز. ولقد ورد مثله على سبيل المجاز أيضًا في العهد الجديد. فهو يخبرنا أن المسيح وأتباعه واحد وأن أجسادهم أعضاؤه. فنحن نقرأ: “أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ:’ يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا’. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ”. (1 كورنثوس 6 :15-17).
وكثيرًا ما يشير العهد الجديد إلى أن أتباع المسيح واحد فيه. فنحن نقرأ: “فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ”. (1 كورنثوس 17:10)، كما نقرأ: “فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ”. (رومية 12 :4-5).
كما نقرأ أيضا: “فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ” (فيلبي 27:1).
وفي الإصحاح الثاني عشر من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس شرح لمعنى كون أتباع المسيح واحدًا فيه.
وكذلك، يخبرنا العهد الجديد أن الزوج والزوجة يصيران جسدًا واحدًا. فنحن نقرأ: “وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا”. (متى 5:19)، وفي الحقيقة، لا يصير الزوج والزوجة جسدًا واحد على سبيل الحقيقة وإنما على سبيل المجاز وذلك كناية عن القرب والتقارب بين الزوجين.
وعليه، فليس المقصود بكون الله ويسوع واحدا أن يسوع هو الله أو حتى أنه ابن الله وإنما المقصود قرب يسوع من الله وشدة اتصاله به حيث أنه نبي ورسول من أنبيائه ورسله. ويدل على ذلك استحالة كون الله ويسوع والحواريين واحدًا وإنما ذلك كناية عن قرب الحواريين من يسوع وشدة تعلقهم وارتباطهم به. ومعنى كون الله ويسوع أو حوارييه أو أتباعه واحدًا هو معية الله ونصره وتأييده لهم.
ولقد ورد بالعهد الجديد ما يثبت أن الله واحدٌ مشار إليه مجازا بالأب وأن يسوع ما هو إلا معلم. فنحن نقرأ: “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ”. (متى 23 :8-10).
كما ورد في العهد الجديد أيضًا تأكيد لوحدانية الله تعالى ووصف يسوع بالوسيط. فنحن نقرأ: “لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ” (1 تيموثاوس 5:2).
كما ورد على لسان يسوع نفسه أن الله واحد ولقد صدقه على ذلك أحبار اليهود. فنحن نقرأ: “فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: ‘أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟’ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ:’ إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ’…فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ:’ جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ”’. (مرقس 12 :28-32).
وأخيرًا، وردت في العهد الجديد آيات كثيرة تثبت وحدانية الله تعالى وتنزهه عن الشريك والولد. فنحن نقرأ: “لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ” (رومية 3-30)، كما نقرأ: “فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِدًا”. (1 كورنثوس 4:8)، كما نقرأ أيضا: “وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ” (غلاطية 20:3)، ونقرأ: “أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ”. (يعقوب 19:2)، “وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟” (يعقوب 12:4).
_________
المراجع:
1- الكتاب المقدس
2- موقع الأنبا تكلا
اقرأ أيضا
هل يسوع الألف والياء والبداية والنهاية والأول والآخر؟
هل يسوع هو الحياة أو الواهب للحياة؟
هل يسوع نبي الله أو رسول الله؟
هل يسوع في الله والله في يسوع؟