القائمة الرئيسية
اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها
أكاديمية سبيلي Sabeeli Academy

خلق الرحمة بين اليهودية والمسيحية والإسلام

خلق الرحمة

الإسلام هو دين الرحمة

إن الإسلام هو دين الرحمة. ولا أدل على ذلك من اشتقاق اسمين من أسماء الله الحسنى من الرحمة. فالله في الإسلام رحمن ورحيم للإشارة إلى سعة رحمته تعالى بخلقه. و”الرحمن الرحيم” من السبع المثاني التي لا يصح لمسلم صلاة بدونها. فعلى كل مسلم أن يقرأها في كل ركعة من صلوات الفريضة الخمس، أي أنه على المسلم أن يقرأ “الرحمن الرحيم” سبعة عشر مرة على الأقل في اليوم والليلة. وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على استحضار معنى الرحمة في القلوب بين الحين والحين.

فنحن نقرأ في فاتحة الكتاب:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ … (الفاتحة 1: 2-3)

وإن سعة رحمة الله في الإسلام لا نظير لها في غيره من الأديان. فنجد مثلا في الكتاب المقدس لاسيما العهد القديم منه أن آدم حين عصى ربه لم يغفر الله له وإنما توعده ولعن الأرض بسببه. فنقرأ في الكتاب المقدس:

وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ». (التكوين 17:3-19)

كما نجد أن الكتاب المقدس في عهده الجديد قد رتب على معصية آدم خطيئة لا يمكن غفرانها. وجعل العهد الجديد الخلاص من هذه الخطيئة على يد كائن نصفه إنسان ونصفه إله نظرا لتعذر مغفرة هذه الخطيئة، حيث تحتم قتل هذا الكائن ليتحمل هذه الخطيئة عن البشر وبذلك يتوب الله تعالى على خلقه المخطئين.

فنقرأ الآيات التالية في العهد الجديد: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. َلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ…” (يوحنا 14:3-19)

أما في الإسلام، فنجد أن آدم لم يحتج إلى شئ بعد معصية الله إلا إلى التوبة النصوح. فلما تاب توبة نصوحا، تاب الله عليه ورحمه رحمة واسعة. يقول الله تعالى:

فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. (البقرة 37:2)

ولقد كانت رحمة الله بعيدة عن الأمم السابقة. فلقد كانت توبة بني إسرائيل أحيانا بقتل النفس حتى ينالوا رحمة الله تعالى. فعن ذلك، يقول الله تعالى:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. (البقرة 54:2)

أما رحمة الله تعالى في الإسلام، فهي قريبة من المحسنين. فإذا عصى المسلم ربه ثم دعا ربه خوفا وطمعا، نال رحمة الله تعالى ورضوانه. يقول الله تعالى:

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. (الأعراف 56:7)

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً، وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ.” (البخاري)

ومتى لم يجد المؤمن سبيلا إلى الإتيان بمأمور به رحمه الله تعالى وتقبل منه ما كان في استطاعته. يقول الله تعالى:

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة 91:9)

بل إننا نجد أن المسلم إذا اضطر إلى ارتكاب معصية معينة غير عامد ولا متعمد، رحمه الله تعالى وغفر له وتاب عليه. يقول الله تعالى:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (البقرة 173:2)

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه رحمة من الله تعالى للمؤمنين. يقول الله تعالى:

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (التوبة 61:9)

ويشير القرآن الكريم إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الرحمة والرأفة بالمؤمنين. يقول الله تعالى:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. (التوبة 128:9)

ويبين القرآن الكريم أن النبي لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان لينا ورفيقا بالناس. ولقد أمر النبي بالعفو عن الناس ومسامحتم والاستغفار لهم. والمسلمون مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به. فعلى المسلم أن يتحلى بالرحمة واللين والعفو عن الناس ومسامحتهم وأن يترك الفظاظة والغلظة والتنفير.

يقول الله تعالى:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. (آل عمران 159:3)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.” (البخاري)

كما قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ.” (متفق عليه)

وقال صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ.” (متفق عليه)

وقال عليه الصلاة والسلام: “الراحمون يرحمُهم الرحمنُ. ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ، الرحمُ شِجنةٌ من الرحمنِ فمن وصلها وصله اللهُ ومن قطعها قطعه اللهُ.” (الترمذي)

وكتب الله تعالى المنزلة على عباده رحمة لهم من لدن آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم. فيقول الله تعالى عن التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام:

ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. (الأنعام 154:6).

ويقول أيضا:

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. (الأعراف 154:7)

والقرآن الكريم نفسه رحمة أيضا. يقول الله تعالى عن القرآن الكريم:

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. (الأعراف 52:7)

كما يقول تعالى أيضا عن القرآن الكريم:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. (يونس 57:10-58)

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- صحيح مسلم

4- الكتاب المقدس

مواضيع ذات صلة