القرآن هو اسم لكلام الله تعالى المنزّل على عبده ورسوله محمد المتعبد بتلاوته، المعجز بكل سورة منه، وهو اسم لكتاب الله خاصة، ولا يسمى به شيء من سائر الكتب ومن أسمائه الفرقان والكتاب والذكر والتنزيل وقد غلب عليه اسما القرآن والكتاب، وفي ذلك إشارة إلى شدة العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني في الصدور والسطور جميعاً، أن تضل إحداهما فتذكر الأخرى.
القرآن الكريم كلام الله تعالى
القرآن من كلام الله، وقد تكلم به حقيقة لا مجازاً، من باب إضافة الكلام إلى قائله، وهو الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً، فإضافته إلى محمد صلى الله عليه وسلم إضافة تبليغ وأداء،لا إنشاء وابتداء والمشكك في هذه الحقيقة ليس أمامه إلا أن يضيف هذا القرآن إلى النبي نفسه، أو إلى مخلوق علّمه إياه.
أما الاحتمال الأول: وهو كون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لفرط ذكائه، ونفاذ بصيرته، وشفافية روحه، مما يجعله ينشئ -بزعمهم- مثل هذا الكلام البديع الرصين، فمردود بأدلة كثيرة، منها:
1- أن الرجل مهما بلغ ذكاؤه وصفت سريرته أنى له أن يأتي بذكر لأحوال الأمم الغابرة ومسائل العقائد والشرائع، وما في الجنة والنار من النعيم والعذاب، ثم يذكر لنا ما سيقع في قابل الأيام والدهور، كل ذلك على نحو من التفصيل والتدقيق، مع تمام السبك، وقوة الأسلوب، ومن غير تضاد ولا اختلاف، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو كتابًا، ولم يخالط أهل التاريخ.
2- التحدي الصارم الذي واجه به القرآن الكفار، وأنهم لم ولن يأتوا بمثل شئ من سوره، يبعد عن الرسول –مع ما عرف عنه من الحصافة والحكمة– أن يغامر في الدخول فيه مع أئمة البيان وفحول الفصاحة، وهو يرجو لرسالته أن تنتصر ولدعوته أن تنتشر.
3- هذا القرآن تضمن بعضًا لمواضع العتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم: في مواقف اجتهد فيها لكنه جانب فيها الصواب، أو الأصوب، فنزل القرآن مبينًا وجه الحق ومخطئًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكف يجمل بحكيم عاقل يخطئ نفسه وينشر ذلك في الناس، ولو كان يملك أدنى تصرف في هذا القرآن لأخفى مثل هذه المواضيع، وسترها عن الناس وقد قال الله تعالى:
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين. (الحاقة 44:69)
4- تصدير كثير من الآيات في القرآن بكلمة “قل” بل قد تكررت هذه الكلمة أكثر من ثلاثمائة مرة في توجيه الخطاب لمحمد وتعليمه ما ينبغي أن يقول. فهو لا ينطق عن هواه، بل يتبع ما يوحى إليه، فهو مخاطب لا متكلم، حاكٍ ما يسمعه لا معبر عن شئ يجول في نفسه.
5- الاتفاق التام بين إشارات القرآن الكريم إلى بعض العلوم الكونية وبين معطيات العلم الحديث، الأمر الذي أثار دهشة كثير من الباحثين الغربيين المعاصرين، حيث تعرض القرآن الكريم لقضايا علمية دقيقة –نحو ما يتعلق بعلم الأجنة والفلك والبحار– لم تكتشف وسائل معرفتها إلا بعد عصر نزول القرآن بعدة قرون.
أما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تعلّم القرآن من غيره فهذا باطل من وجوه:
1- أمية محمد: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ أمياً، بين أناس أميين، لا يعرفون غير علم البيان والفصاحة وما يتصل بهما، وكانوا منعزلين بشركهم عن أهل الكتاب قال تعالى:
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين. (هود 49:11)
ففيه إشارة واضحة إلى أن هذا النوع من العلم ما كان عند العرب، وليس لهم به دراية، ولم يرد أنهم اعترضوا على هذا الحكم عليهم بأنهم يجهلون الأمور المشار إليها في الآية.
2- عدم تعرض العرب لمعارضته: فلم يدع واحد من خصومه من العرب -مع شدة تكذيبهم- نسبة القرآن إلى نفسه، ثم إن الله تعالى قد تحدى به بلغاءهم وفصحاءهم على أن يأتوا بسورة من مثله، فلم يتعرض واحد منهم لذلك، اعترافا بالحق، ونأيا بالنفس عن تعريضها للافتضاح، وهم أهل القدرة في فنون الكلام نظما ونثرا، وترغيبًا وزجرا.
3- عربية القرآن وأعجمية لسان أهل الكتاب: لم يذكر في أيّ من المصادر التاريخية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أحبار اليهود، أو رهبان النصارى، بغية التعلم والمدارسة. ثم إن هذا القرآن عربي فصيح لا عهد لأهل الكتاب به، ولهذا قال تعالى: ردا على من ادعى أن القرآن من وحي أهل الكتاب:
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين. (النحل 103:16)
4- موقف القرآن من أهل الكتاب: موقف القرآن من أهل الكتاب بدحض شبهاتهم وأغاليطهم، ثم دعوتهم إلى الإيمان بالرسول الكريم، والاستجابة للذكر الحكيم يُبعد أن يكونوا هم مصدر القرآن ومنبعه، وهذه حالهم من الإعراض عنه والكفر به، وبمن أنزل عليه.