يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام سوف يتولى يوم القيامة محاسبة الناس وإدانتهم بل ويبعد أحدهم إلى وصفه “بالديان” قائلا: “؛ولهذا عندما سيأتي السيد المسيح ثانية، سيأتي بصيغة أخرى ودور آخر، وهو دور الديّان، وهو له الحق بالإدانة لأنه عاش حياة كاملة طاهرة بدون أي خطيئة.” ولهم على ذلك نصوص من إنجيل يوحنا وغيره. ومن ذلك:
ما ورد في إنجيل يوحنا (5/26):
“كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان”.
وجاء في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس (5/10):
“لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً”.
ورسالة رومية 10:14-12:
“لأَنَّنَا جَمِيعاً سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ … فَإِذاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلَّهِ”.
وفى لوقا:
“لا تَدينوا، فلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أحدٍ، فلا يُحكَمُ علَيكُم. اَغفِروا، يُغفرْ لكُم. أَعطُوا، تُعطَوا: كَيلاً ملآنًا مكبُوسًا مَهزوزًا فائِضًا تُعطَونَ في أحضانِكُم، لأنّهُ بالكَيلِ الذي تَكِيلونَ يُكالُ لكُم”. وقالَ لهُم يَسوعُ هذا المثَلَ: «أيقدِرُ أعمى أنْ يَقودَ أعمى؟ ألا يقَعُ الاثنانِ معًا في حُفرَةٍ؟ ما مِنْ تِلميذٍ أعظَمُ مِنْ مُعَلّمِه. كُلّ تِلميذٍ أكمَلَ عِلمَهُ يكونُ مِثلَ مُعَلّمِه.لماذا تَنظُرُ إلى القَشّةِ في عَينِ أخيكَ، ولا تُبالي بالخَشَبَةِ في عينِكَ؟ وكيفَ تَقدِرُ أنْ تَقولَ لأخيكَ: «يا أخي، دَعْني أُخرِجُ القَشّةَ مِنْ عَينِكَ، والخشَبَةُ التي في عَينِكَ أنتَ لا تَراها؟ يا مُرائي، أَخرِجِ الخشَبَةَ مِن عَينِكَ أوّلاً، حتى تُبصِرَ جيّدًا فتُخرِجَ القَشّةَ مِنْ عينِ أَخيكَ! (6/37-41)
وثبوت هذه العقيدة فرع عن ثبوت أصلها وهي الأناجيل أو الرسائل، أما الأناجيل فقد سبق الحديث عنها، وإنجيل يوحنا أقلها نصيباً من الصحة. أما كلام بولس في رسائله فإنه غير مقبول، لأنه كما سيتبين يهودي متعصب، وهو أول من انحراف بالديانة النصرانية عن وجهها إلى الشرك ودعوى ألوهية المسيح إلى غير ذلك من الضلالات.
والعجيب أن النصارى بعد إثباتهم لهذا الحساب يتنصلون منه ويزعمون أنه مجرد مكافأة لهم لأن خلاصهم الحقيقى وغفران ذنوبهم قد تحقق بصلب المسيح ويزعمون أنه مجرد مكافأة ويا عجبا كيف يكون حسابا إذا! ولهم تأويلات أخرى فى هذا الحساب لصرفه عن المعنى الحقيقى.
وأيا ما كان فالذى نعتقده أن الله عز وجل هو الذي يتولى حساب الناس يوم القيامة بمعناه الحقيقى ولا دخل لبشر فى ذلك، ويكون الرسل شهوداً على أقوامهم وحسب. تؤكد هذه الحقيقة نصوص القرآن الكريم التى تكل الحساب إلى رب البشر والخلائق أجمعين: “
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (13/40-41).
“وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (23/117).
وعلى فرض صحة هذه النصوص التى يستدل بها هؤلاء على محاسبة عيسى للناس، فإنها بظاهرها لا تدل على ذلك البتة لأنه قد يكون عيسى عليه السلام فى يوم الحساب كالمستشهد على أنه أدى الرسالة وبلغها كما أمره ربه سبحانه وتعالى وأن هؤلاء قد انحرفوا عن الجادة وهو ما عليه القرآن الكريم أن الله سيبعث من كل أمة شهيد وهذا الشهيد هو النبى الذى أرسل إليهم وإليك بعضا من هذه النصوص:
“فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا”. (4/41-42)
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ”. (16/84)
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ”. (16/89)
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” (159).(4/157-159).
“وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) (5/116-118).
وعلى فرض صحة ذلك أيضا كيف سيحاسب عيسى أقواما كانوا قبل رسالته وأقواما جاءوا بعده وقد يكونوا لم يسمعوا بدعوته أو سمعوها فى ثوبها المزيف. يقول القرآن الكريم:
“وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”. وفى الحديث:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ، فَأَقُولُ : إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي” “عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فَلَأَقُولَنَّ : أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي ، فَلَيُقَالَنَّ لِي : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) “.
وهل يعلم عيسى عليه السلام ما فى صدور الناس حتى يحاسب الخلق؟ يقول الله سبحانه:
“لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (2/284).
ومن المتقرر فى الإسلام أن عيسى عليه السلام سينزل ينزل في آخر الزمان فيقتل المسيح الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير. وأن نزوله علامة من علامات الساعة:
“عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)” رواه البخاري ( 3448 ) ، ومسلم ( 155 ) .
“وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام ، قبل يوم القيامة إماما عادلا ، وحكما مقسطا”. (تفسير ابن كثير) ( 7 / 236 ).
فنزول عيسى حكما هذا فى آخر الزمان فى الدنيا وليس فى الحساب فى الآخرة ومن المعلوم أنه لا يحاسب أحدا على أعمال قلبية فى الدنيا وإنما يحكم بما ظهر له بشريعة الإسلام فكيف يتولى الحساب ولا اطلاع له على أعمال القلوب!
إن مفاهيم الحساب والثواب والعقاب تضطرب فى الجانب المسيحى فنرى تأويلات زائفة ومتناقضة لمفهوم الإدانة فالنصارى يزعمون أن المسيح لم يأت ليدين الناس ويزعمون على الجانب الآخر أنه سيحاسبهم! يقول المسيح وفقا للكتاب المقدس:
“وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ”.
فكيف لم يأت ليدين العالم وكيف سيحاسبهم؟! وفقا للنص التالى:
“لا تَدينوا، فلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أحدٍ، فلا يُحكَمُ علَيكُم. اِغفِروا، يُغفرْ لكُم”.
مراجع
- دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، سعود بن عبد العزيز الخلف، مكتبة أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الرابعة، 1425هـ/2004م.
- كتب السنة.
- موقع biblehub.com