عقيدة الثالوث فى الميزان

الثالوث على مر العصور

 ينظر كثير من المسيحيين-من قديم الزمان- إلى عقيدة التثليث [بجعل الإله مكون من ثلاثة أجزاء أو أقانيم أى ثلاثة عناصر أو كائنات مستقلة بذاتها وهى الأب: الله، والابن: يسوع، والروح القدس: جبريل]-تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-على أنها من المسلمات المسيحية الإيمانية التى لا يدخل الإنسان فى الملكوت إلا بالإيمان بها. والسؤال هل صمد ذلك المعتقد المسلم به عبر التاريخ؟

لقد تعالت أصوات كثيرة معارضة لذلك المعتقد من داخل الطوائف المسيحية نفسها ففى إسبانيا يجهر المصلح الإسبانى (سرفتيوس) برأيه فى وحدانية الله وإنكار الثالوث فيقرر إحراقه حيا سنة 1553م.

وفى بولونيا نادى سوسينس بوحدانية الله وبشرية المسيح مقررا أن الإله لا يحل فى البشر وتفرع عن مذهبه الموحدون الذين نادوا بتطهير المسيحية من أدران الوثنية وقد اضطهدتهم الكنيسة فى ذلك ولاقوا صنوف العذاب.

ولعل ذلك يثير تساؤلات عدة أخرى: لم لم تصمد هذه العقيدة؟ ولم تصر الكنيسة على وجودها؟!

لقد تنامى صوت خافت داخل الكنيسة ينادى بالرجوع إلى تعاليم المسيح كما جاء بها وهى توحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن الشرك وهذه الحقيقة لم يخل منها زمان عاشته المسيحية. انطلقت هذه الصيحة من تدبر الإنجيل وأقوال المسيح نفسه كقوله: “أنت الإله الحقيقى وحدك”. (يوحنا، 17-2).

هل حقا ثالوث أقدس؟!

ونرى فلاسفة قد تبرءوا من المعتقدات الشركية الملصقة بدين المسيح فنرى الفيلسوف المسيحى ترتليان (220م) يقول : “إننا بريئون من الذين ابتدعوا مسيحية رواقية أو أفلاطونية أو جدلية، بعد المسيح والإنجيل لسنا بحاجة إلى شىء”.

والأسقف نسطور ينكر ألوهية المسيح ويقرر أنه انسان كسائر البشر مملوء بالنعمة والبركة ويتفق معه الأسقفان سابليوس وبولس الشمشاطى ثم يأتى الأسقف مقدونيوس قينكر ألوهية الروح القدس.

لقد ادرك هؤلاء جميعا أن المسيحية قد انحرفت عن المسار الصحيح وأنها فى بعض مراحلها تأثرت بالوثنية والاختلافات السياسية التى وجهت معتقداتها.

ولقد ألفت القرآن إلى شىء من هذا الاختلاف: 

“فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿٣١﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿٣٢﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿٣٣﴾ ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿٣٤﴾ مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾ وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ”.(19/29-37

“تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ” (2/253)  

“إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (3/55)

لقد دب الاختلاف بين رؤؤوس القوم بعد موت المسيح وعن طبيعته هل هو ذو طبيعة بشريه أم إلهية، فنحا فريق إلى الحق ونحت فرق إلى الباطل وكانت اليد العليا لأهل الباطل وقد أحس المسيح عليه السلام بهذا فى حياته فألفت الحواريين إلى عدم المغالاة فى شخصه.

القرآن فى مواجهة الثالوث

أولا: بيان بدعيتها

ففى مواجهة عقيدة الثالوث أو التثليث يبين القرآن أنها عقيدة مفتراة مبتدعة وينهى أهل الكتاب من النصارى أو المسيحيين عن القول بها:

“يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ  انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ” (4/171)

وبين أن من نحا هذا النحو فهو كافر يستحق عذاب الجحيم:

“قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5/72-73

“لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (5/17). 

ثانيا: القرآن يبين قدر الثلاثة والعلاقة بينهم 

أبان القرآن كثيرا أن عيسى ابن لمريم وليس ابنا له وأن ما جاء به من معجزات ليس من صنيعه ولا صنيع أمه وإنما من صنيع ربه الذى ليس له بأب، وأنه فقط رسول مرسل من ربه:

“إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا  وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ”.(5/110)

“وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ “(5/111).

“وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ” (6/61)

“وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ “(5/116-117

فالقرآن بين العلاقة ومايز بين الثلاثة فالله هو الرب وعيسى هو الرسول والروح القدس مؤيد لعيسى الرسول فى رسالته:

“وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ”(2/87).

“تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ”(2/253).

وكون عيسى كلمة من الله لا يعنى أنه جزء منه بل هو خلق بكلمة منه وهى قوله سبحانه “كن فيكون” كغيره من سائر البشر ولكن الله اختص هذه الكلمة بمزية ليعلى من قدر عيسى عليه السلام ويزيل اللبس فى شبهة اعتقاد الربوبية فيه:

“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” (3/45)

“إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (3/59)

ثالثا: القرآن يبين أن عقيدة التثليث عقيدة جائرة

ويكفى فى بطلان تلك العقيدة الثالوثية الأقنومية الجائرة أنها حرمت الرب من صفات كثيرة منحتها الإنسان فهذا الإنسان الكائن بذاته الناطق بكلمته الحى بروحه السميع بأذنه المبصر بعينيه نجد أن الله فى المسيحية المعاصرة لا يكون كائنا بذاته إلا حين يسمى الأب. فبصفته كائن بذاته فهو الله الأب . فإذا تخلت عنه صفة الأبوة وتحول فأصبح ابنا تتخلى عنه صفة الكينونة والذات ويصبح فقط ناطقا بكلمته، كذلك إذا تحول الله إلى روح قدس تخلت عنه الصفتان السابقتان وصار فقط حيا بروحه. وليت شعرى كيف يحتفظ هؤلاء بصفات كثيرة للبشر ويجرد الإله من أقل صفات الوجود؟!

رابعا: القرآن يسوق الأدلة العقلية على بطلان عقيدة التثليث

وأتى القرآن الكريم بالأدلة العقلية على بطلان كون إله شريكا لله سبحانه وتعالى:

“قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد” (112)

“لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا…”21(22

هل يصرح الكتاب المقدس بالثالوث

وبتصفحنا للكتاب المقدس لا نجد عبارة صريحة جدا تؤيد هذه العقيدة ولكن التأويل الفاسد والإدراج لبعض النصوص جاء بهذه العقيدة. وعندما يُسأل هؤلاء عن نصوص تؤيد هذه العقيدة فى الكتاب المقدس لا يسوقون إلا نصوصا تبين كيف أرسل الأب (الأقنوم الأول الرب الخالق كما يزعمون) الابن (الأقنوم الثانى) عن طرق الروح القدس (الأقنوم الثالث) إلى البشرية ليخلصها ويفدى المسيح نفسه لتخليصها. وهو ما لم يقله الكتاب المقدس ولكنهم أقحموا النصوص التى ظاهرها بنوة وربوبية عيسى ليثبتوا هذه العقيدة ومنها:

“فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ،وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ،فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ،17وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»”.(متى 3 : 16 – 17)

“فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 28 : 19)

ويلاحظ ان كل تلك النصوص إنما هى عمومات لا تبرر مصداقية التثليث وغاية ما يجىء فيها البنوة والإلهية ليسوع-حسب تأويلهم-.

وعندما تواجه الكنيسة بهذه الدلائل الباهرة الداحضة لكل الشبه تلجأ إلى الاعذار الواهية والتأويلات الفاسدة لتبرير معتقد الثالوث وتزعم أنها قد فهمت خطأ وعلى غير وجهها الصحيح

يقول أحدهم: “هي تعبير لاهوتي لسرّ الله الذي ظهر لنا ظهوراً خلاصيّاً في شخص يسوع المسيح. فالمسيح قد أتى إلينا باسم الله حاملاً إلينا خلاص الله، ومن بعد قيامته أرسل إلينا روح الله. هكذا أوحى لنا الله بذاته آبًا يرسل إلى العالم ابنه المخلّص وروحه القدّوس

ويقول: “هكذا أوحى الله بذاته في العهد القديم: إلها أبًا يخلق العالم ويخلّصه بكلمته وروحه. وتلك هي التهيئة التي نجدها في العهد القديم لكشف سرّ الثالوث الأقدس في العهد الجديد. فمَا يجب تأكيده هو أن الله لا يكشف ذاته إلا من خلال علاقته بالإنسان. وقد ظهرت لنا تلك العلاقة علاقة ثالوثيّة: فالله هو الآب، والكلمة والروح هما قدرة الله وحضوره اللذان يتّصل بهما بالعالم فيخلقه ويرشده ويخلّصه ويحييه. إنهما، كما يقول القديس إيرناوس، ‘يدا الله‘. وهكذا يتبيّن لنا ما قلناه في مستهلّ بحثنا أن أيّ محاولة لاهوتيّة للدخول في سرّ الثالوث الأقدس يجب ألا تنطلق من التأمّل النظريّ الفلسفيّ في الذات الإلهية لمعرفة تكوينها الباطنيّ، بل من وحي الله لذاته في تاريخ الخلاص. فالله في العهد القديم من تاريخ الخلاص أوحى بذاته أباً يخلق ويخلص. “وروحه. وفي العهد الجديد بلغ وحي الله كماله، إذ أرسل إلينا الله ابنه الوحيد، وبالابن عرفنا الآب وعرفنا الروح القدس“.

فما علاقة ظهور المسيح أو الروح القدس وإرساله من الله بكونه جزءا منه. وكيف انفصلت أجزاء الإله عن بعضها فهذا إنسان على الأرض وهذا رب فى السماوات وهذا روح قدس بين السماء والأرض؟! وهل إذا أرسل ملك من ملوك الدنيا أحدا من حاشيته إلى أحد ليعلمهم بقدومه وظهوره يصير ذاك العبد المرسل جزءا من ذاك الملك أم يظل جزءا من حاشيته ورعاياه محتفظا بقدره مهما نبل قدره وعلت مكانته وسمت رسالته ولو كان فى رسالته الخلاص والنجاة لأولئك القوم؟!

إن هذه العقيدة الثالوثية بهذا الفهم المعوج لهى سب للإله ونقص له، إذ يزعم قائل تلك العبارة: “أن الله لا يكشف ذاته إلا من خلال علاقته بالإنسان. وقد ظهرت لنا تلك العلاقة علاقة ثالوثيّة” فهل الإله فى حاجة ضرورية إلى هذا الثالوث ليظهر نفسه أم أن الإرسال كاف فى تحقيق المطلوب مع الجزم بأنه سبحانه الذى أظهر نفسه فى الكون بآياته قادر أن يظهر نفسه؟! 

والمتفحص لتلك التأويلات الكنسية الزائفة يجد أنها مجرد هرطقات فلسفية لا تمت للتفكير الواقعى والفلسفى الصحيح والمنطقى القويم بصلة. لذا يتضح تأثر هذه العقيدة الثالوثية بالفلسفة الهرمسية و اليونانية للمسيحية على يد بولس الرسول و القديس بطرس على قسطنطين الذي كاد يتبع مذهب آيرس الغير قائم على التثليث ،لكن المجمع المسكوني بنيقيه بالاناضول أقر تلك العقيدة لظروف تاريخية.


مراجع

الله واحد أم ثالوث لمحمد مجدى مرجان، مكتبة النافذة.

alkalema.net

مواضيع ذات صلة