تتفق الأديان الكتابية الثلاثة –اليهودية والمسيحية والإسلام– على أن الصلة بين الخالق والمخلوق تجلت عبر الأزمنة والعصور والأجيال في ظاهرة النبوة والرسالات. ولقد نزلت دعوات عديدة من السماء، أتى بها أنبياء ورسل عديدون، يحملون بشارات الألوهية وإنذاراتها إلى الأرض.
فلقد بعث الله بالعديد من المختارين المصطفين ليبلغوا الناس ما يجب أن يقوموا به ويفعلوه، ولم تنقطع الرسالات والدعوات ابتداء من بدء الخليقة، من أيام آدم أبي البشرية إلى يوم البعثة النبوية المحمدية.
يقول الكتاب المقدس في عهده الجديد: “إن الله في الأزمنة الماضية كلم آباءنا بالأنبياء الذين نقلوا إعلانات جزئية بطرق عديدة ومتنوعة. أما الآن، في هذا الزمن الأخير، فقد كلمنا بالابن الذي جعله وارثًا لكل شئ…” (الرسالة إلى العبرانيين، الإصحاح الأول، العددان 1 و 2).
أما القرآن الكريم، فهو بدوره يقول في سورة طه (وطه اسم من أسماء النبي محمد العديدة):
طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى* إلا تذكرة لمن يخشى* تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى* الرحمن على العرش استوى* له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى … وهل أتاك حديث موسى* إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى* فلما أتاها نودي يا موسى* إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى* وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى* إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري … اذهب إلى فرعون إنه طغى … (طه 1:20-24).
ويتوافق الكتاب المقدس والقرآن على ذكر عدد من الأنبياء وتكريمهم ووجوب الإيمان بهم، حيث تعتبر اليهودية والمسيحية والإسلام أن إبراهيم على سبيل المثال لا الحصر من كرام أنبياء الله. فإبراهيم هو في المسيحية والإسلام أبو الأنبياء وخليل الرحمن والصديق البار المطيع لإرادة المولى وأوامره.
ولقد ورد في سفر التكوين ذكر إبراهيم للمرة الأولى على الوجه الآتي: “وقال الرب لأبرام (وأبرام هو الاسم الأول الذي كان يطلق على إبراهيم في الكتاب المقدس): اترك عشيرتك وأرضك وبيت أبيك واذهب إلى الأرض التي أريك، فأجعل منك أمة كبيرة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة (للكثيرين)، وأبارك مباركيك وألعن لاعنيك وتتبارك فيك جميع أمم الأرض. فارتحل أبرام كما أمره الرب ورافقه لوط. وأخذ أبرام ساراي (وهو الاسم الأول الذي كان يطلق على سارة) ولوط ابن أخيه وكل ما جمعاه من مقتنيات وكل ما امتلكاه من نفوس من حران، وانطلقوا جميعًا إلى أرض كنعان إلى أن وصلوها” (سفر التكوين، الإصحاح 13، الأعداد 1 و2 و3 و4 و5).
وفي هذا الشأن، وردت الآيات التالية في القرآن الكريم:
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام* رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن اتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم* ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون* ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء* الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء. (إبراهيم 34:14-39).
ويؤمن الإسلام كالمسيحية بنبوة موسى. ويبرز موسى في الكتاب المقدس كنبي ورسول وقائد لشعب العبرانيين الذي كان يعيش في مصر، بلاد الفراعنة، ويعاني في حياته من الاضطهاد والاستعباد والإرهاب والقمع والفقر وضيق الحال والعوز والحاجة والذل والخنوع والعبودية.
ولقد ورد في الإصحاح الثالث من سفر الخروج من أخبار موسى ما يلي: “وأما موسى فكان يرعى غنم حميه (أي يثرون) كاهن مديان، فقاد الغنم إلى ما وراء الطرف الأقصى من الصحراء حتى جاء إلى حوريب، جبل الله. وهناك تجلى له ملاك الرب بلهيب نار وسط عليقة، فنظر موسى وإذا بالعليقة تتقد دون أن تحترق. فقال موسى: أميل الآن لأستطلع هذا الأمر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ وعندما رأى الرب أن موسى قد دنا ليستطلع الأمر، ناداه من وسط العليقة قائلًا: موسى. فقال: ها أنا. فقال (أي الرب): لا تقترب من هنا، اخلع حذاءك من رجليك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا هو إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب … فهلم الآن لأرسلك إلى فرعون، فتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر …” (سفر الخروج، الفصل الثالث، الأعداد من 1 إلى 6).
وفي هذا الشأن، وردت الآيات التالية في القرآن الكريم:
وهل أتاك حديث موسى، إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى، فلما أتاها نودي يا موسى، إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري، إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى، وما تلك بيمينك يا موسى، قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، قال ألقها يا موسى، فألقاها فإذا هي حية تسعى، قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى، واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى، لنريك من آياتنا الكبرى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، قال رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا، قال قد أوتيت سؤلك يا موسى، ولقد مننا عليك مرة أخرى … اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري، إذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى … (طه 9:20-44).
المصدر: محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام – غسان سليم سالم – دار الطليعة – بيروت