إنه النبي هارون أخو النبي موسى ووزيره وشريكه في النبوة والرسالة. ولذلك، فقصته عليه السلام جزء لا يتجزأ من قصة أخيه النبي موسى عليه السلام.
وعلى الرغم من التشابه الكبير بين قصة النبيين هارون وموسى عليهما السلام في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، إلا أن هناك تفاصيل عديدة في الكتاب المقدس لا تتفق مع القرآن الكريم ويتعذر قبولها أصلا لتناقضها مع العقل والمنطق. لنلق نظرة على شخصية النبي هارون في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
النبي هارون في المسيحية
على الرغم من تكريم المسيحية للنبي هارون وموسى في الكتاب المقدس والثناء عليهما، إلا أن هناك تفاصيل أوردها الكتاب المقدس عنهما لا تتفق مع القرآن الكريم ولا يقبلها العقل ولا المنطق.
زواج عمرام من عمته
فعلى سبيل المثال، يخبرنا الكتاب المقدس أن عمرام أبا النبيين هارون وموسى قد تزوج عمته، وهو أمر يخالف جميع الشرائع السماوية من لدن آدم وحتى محمد عليهما الصلاة والسلام. ففي الكتاب المقدس نقرأ: “وَأَخَذَ عَمْرَامُ يُوكَابَدَ عَمَّتَهُ زَوْجَةً لَهُ. فَوَلَدَتْ لَهُ هَارُونَ وَمُوسَى. وَكَانَتْ سِنُو حَيَاةِ عَمْرَامَ مِئَةً وَسَبْعًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً”. (الخروج 20:6)
ألوهية موسى
كما يخبرنا الكتاب المقدس أن الله قد جعل موسى إلها لفرعون وجعل هارون نبيا لموسى، وهو أمر يخالف وحدانية الله التي تدعو إليها جميع الرسالات السماوية من لدن آدم وحتى محمد عليهما الصلاة والسلام. ففي الكتاب المقدس نقرأ: “فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «انْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلهًا لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ. أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ. (الخروج 1:7-2)
صناعة هارون للعجل
ويذكر الكتاب المقدس أن هارون هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل حتى يعبدوه، وهو أمر يخالف وحدانية الله التي تدعو إليها جميع الرسالات السماوية من لدن آدم وحتى محمد عليهما الصلاة والسلام. ففي الكتاب المقدس نقرأ:
وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ». فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا». فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. فَأَخَذَ ذلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ». (الخروج 1:32-5)
تعرية هارون للشعب
كما يذكر الكتاب المقدس أن هارون قد عرى شعبه وجعلهم هزوا في عيون أعدائهم. ففي الكتاب المقدس نقرأ: وَلَمَّا رَأَى مُوسَى الشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ، وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ». (الخروج 25:32-26)
النبي هارون في الإسلام
يكرم القرآن الكريم ويثني على النبيين هارون وموسى. ولا يرد في القرآن الكريم أية تفاصيل تطعن في عصمة النبي هارون على الإطلاق. فنقرأ على سبيل المثال:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ. وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (الصافات 114:37-121)
التعليق
عمرام في القرآن
لم يرد في القرآن الكريم ذكر لعمرام أبي النبيين هارون وموسى، فلم يذكر أنه تزوج من عمته وأنجب هارون وموسى على غرار الكتاب المقدس.
بين ألوهية موسى وعيسى
وأما ألوهية موسى لفرعون ونبوة هارون لموسى، فليس لها قبيل في القرآن الكريم، ولكنها من قبيل المجاز الشائع في الكتاب المقدس. فكما يدعى السيد المسيح إلها في العهد الجديد، يدعى النبي موسى إلها أيضا. وكل ذلك على سبيل المجاز. ففي العهد الجديد نقرأ:
ثُمَّ قَالَ لِتُومَا:«هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ:«رَبِّي وَإِلهِي!». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». (يوحنا 27:20-29)
ولا أدل على مجازية ألوهية السيد المسيح من وصفه بأوصاف يشترك فيها مع هارون وموسى تنافي ألوهيته المزعومة. فعلى سبيل المثال، يشبَّه السيد المسيح بالنبي هارون في رئاسة الكهنة. ففي الكتاب المقدس نقرأ: وَلِهذَا الضَّعْفِ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ كَمَا يُقَدِّمُ عَنِ الْخَطَايَا لأَجْلِ الشَّعْبِ هكَذَا أَيْضًا لأَجْلِ نَفْسِهِ. وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا. كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ:«أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ». كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ». (العبرانيين 3:5-6)
كما يشبه السيد المسيح بالنبي موسى في الإقامة أمينا في بيت الله. ففي الكتاب المقدس نقرأ: “مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ، حَالَ كَوْنِهِ أَمِينًا لِلَّذِي أَقَامَهُ، كَمَا كَانَ مُوسَى أَيْضًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ”. (العبرانيين 1:3-2)
فإذا كان السيد المسيح رئيس كهنة وأمينا في بيت الله، فإنما هو إله أو ابن إله مجازي وليس حقيقيا، كما أن موسى إله مجازي وليس حقيقيا. وإلا لكان كل منهما إلها حقيقيا، وهو ما يخالف توحيد الله الذي يدعو إليه الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (التثنية 4:6)، (مرقس 29:12)، (متى 10:4).
فكيف يكون السيد المسيح رئيس كهنة الله وهو الله في نفس الوقت أو أمينا في بيت الله وهو الله في نفس الوقت؟
ولكن، يتفهم اليهود مجازية ألوهية النبي موسى، فلم يتخذوه إلها يعبد مع الله. أما المسيحيون، فلم يتفهموا ذلك للأسف، وعبدوا السيد المسيح إلها مع الله، على الرغم من الإشارة إلى النبي موسى والسيد المسيح على أنهما إلهين في الكتاب المقدس.
ومن العجيب أن العهد الجديد ينقل عن السيد المسيح نفسه شرحه لمفهوم ألوهيته وألوهية موسى المجازية. فبين أنه هو والنبي موسى وصفا بأنهما إلهين بمعنى أنهما صارت إليهما كلمة الله وأرسلا إلى العالم ليعملوا بأعمال الله وأن الله كان معهما، وأنهما ليسا إلهين حقيقيين. ففي الكتاب المقدس نقرأ:
أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. (يوحنا 33:10-37)
صناعة العجل وتعرية الشعب
وأما صناعة العجل وتعرية الشعب وجعله هزوا لأعدائه، فيستحيل أن يصدر ذلك عن نبي مثل النبي هارون من أبرز أنبياء الله. ويخبرنا القرآن الكريم أن الذي قام بذلك هو السامري وأن النبي هارون قد أنكر ذلك ودعا الشعب إلى نبذ العجل وتوحيد الرحمن عز وجل. ففي القرآن الكريم نقرأ:
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ. فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ. أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا. وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى. قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي. قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (طه 87:20-94)
انقر هنا لمطالعة قصة النبي موسى لأنها جزء لا يتجزأ من قصة النبي هارون!
_________
المراجع:
- القرآن الكريم
- الكتاب المقدس
_________
اقرأ أيضا:
17-النبي داود (داوود) عليه السلام