الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية

من أخلاق الإسلام: بر الوالدين

بر الوالدين

بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى

إن القارئ للقرآن الكريم يجد أن الوصاية ببر الوالدين كثيرا ما تقترن بتوحيد الله. فبعد الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الشرك به نجد الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما. وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن حق الوالدين هو أولى الحقوق بالأداء بعد حق الله تعالى.

يقول الله تعالى:

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (النساء 36:4)

ويقول تعالى:

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام 151:6)

والأمر بالإحسان إلى الوالدين ليس مقصورا على الأمة الإسلامية، وإنما كان أيضا من الأوامر التي خلت في الأمم السابقة. ومن العجيب أنه مقترن أيضا بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. يقول الله تعالى:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (البقرة 83:2)

ولقد كان بر الوالدين من دواعي ثناء القرآن الكريم على بعض الأنبياء والمرسلين. فبر الوالدين من أخلاق النبوة والرسالة. فيقول الله تعالى مثنيا على سيدنا يحيى بن زكريا:

وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (مريم 14:19)

كما يقول تعالى حكاية عن سيدنا عيسى بن مريم:

وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (مريم 32:19)

وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى. فعن عبد الله بن مسعود قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله الخ (البخاري)

ولقد كان بر الوالدين قبل الفتح مقدما على الهجرة، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم فبايعه عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْ أَبَوَيّه يَبْكِيَانِ؟ قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا (أحمد وأبو داود وابن ماجه)

ولقد حدد الله تعالى بعض الكيفيات التي يمكن للمؤمن بر والديه من خلالها. ومن هذه الكيفيات الإنفاق عليهما حال هرمهما، حيث يبين القرآن الكريم أن الوالدين هما أولى الناس بالإنفاق. يقول الله تعالى:

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (البقرة 215:2)

ومن هذه الكيفيات أيضا الدعاء بالمغفرة لهما. وفي الحقيقة، كان الدعاء للوالدين سنة الأنبياء والمرسلين. يقول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام:

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (إبراهيم 41:14)

كما يقول الله تعالى حكاية عن سيدنا نوح عليه السلام:

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (نوح 28:71)

ومن بر الوالدين أن يقول المؤمن لوالديه قولا كريما وأن يجتنب نهرهما وسوء القول لهما. يقول الله تعالى:

وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (الإسراء 23:17)

ومن بر الوالدين طاعتهما، فطاعة الوالدين واجبة على كل حال إلا إذا أمرا بشرك أو بمعصية. يقول الله تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت 8:29)

ومع ذلك، فإن أمر الوالدين بشرك أو معصية لا يسوغ عقوقهما وإنما على المؤمن أن يقيم على إحسانه إلى والديه وأن يطيعهما ولا يعصيهما إلا في الشرك والمعصية فقط. يقول الله تعالى:

وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ (لقمان 15:31)

ومن بر الوالدين شكرهما. فكما أن بر الوالدين مقترن بتوحيد الله، فإن شكره أيضا مرتبط بشكر الوالدين لأن أولى الناس بالشكر بعد الله تعالى هما الوالدان. يقول الله تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان 14:31)

ويقول تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الأحقاف 15:46)

ولبر الوالدين فضل عظيم. فهو يطيل العمر ويزيد الرزق، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ (الإمام أحمد)

ويتوعد الله تعالى العاق لوالديه في القرآن الكريم بالخسران. يقول الله تعالى:

وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (الأحقاف 17:46)

ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دعوة الوالدين على ولدهما من الدعوات المستجاب لها. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ، لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ” (الإمام أحمد)

كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العاق لوالديه ممن لا تقبل أعمالهم. فعن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثَلَاثَةٌ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ صَرْفا وَلَا عَدْلا: عَاقٌّ، وَمَنَّانٌ، وَمُكَذِّبٌ بِقَدْرٍ” (الطبراني)

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- مسند الإمام أحمد

مواضيع ذات صلة