تكريم المرأة بين الإسلام والمسيحية

الشفاعة في الإسلام والمسيحية (2/2)

الشفاعة في المسيحية

لسيدنا عيسى عليه السلام شفاعة لأمته يوم القيامة كسائر الأنبياء والمرسلين

يشير الكتاب المقدس في عهده الجديد صراحة إلى شفاعة السيد المسيح ويصفه بـ”الشفيع”، فنحن نقرأ: “يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا”. (رسالة يوحنا الأولى 2 :1-2)

كما نقرأ: “فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ“. (العبرانيين 25:7)

كما نقرأ أيضا: “مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا“. (رومية 34:8)

ومن الجدير بالذكر أن شفاعة السيد المسيح لم تقف عند هذا الحد في عيون كتّاب أسفار الكتاب المقدس وإنما استخدمت ألفاظ أخرى للمبالغة في هذه الشفاعة مثل لفظ “الدينونة“. وإننا إذا بحثنا مدلول هذا اللفظ، وجدنا أنه ما هو إلا شكل من أشكال الشفاعة المبالغ فيها وأنه ليس على حقيقته بل يطلق ويراد به المجاز.

والدليل على ذلك بعض الأعداد التي تجلي حقيقة هذا اللفظ. فعلى سبيل المثال، ينفي الكتاب المقدس الدينونة عن يسوع المسيح ويخبرنا أنه لم يرسل ليدين العالم وإنما ليخلصه، فنحن نقرأ: لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. (يوحنا 17:3)

كما نقرأ أيضا: “وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ. مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ” (يوحنا 12 :47-48)

وينقل الكتاب المقدس عن يسوع المسيح نفيه الدينونة عن ونفسه إثباتها لله، فنحن نقرأ: “أَنَا لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُ وَيَدِينُ”. (يوحنا 50:8)

وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن دينونة المسيح لا يراد بها الحقيقة ولكن يراد بها المجاز، وربما قصد بهذه الدينونة هو إطلاع السيد المسيح على أعمال أتباعه دون محاسبتهم أو ما تستلزمه هذه المحاسبة من إثابتهم أو معاقبتهم.

وعلى هذا المعنى يمكن أن تُحمل الأعداد التالية: فنحن نقرأ: “لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ” (يوحنا 22:5)، كما نقرأ: “وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ” (يوحنا 27:5)، كما نقرأ أيضا: “أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَق، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا 8 :15-16)، ونقرأ: “فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا 5 :29-30)

وهذا المعنى ثابت لغير يسوع المسيح من الأنبياء والمرسلين، فأعمال أمة الإسلام تعرض أيضا على النبي محمد، ولا غضاضة في ذلك مطلقا، حيث يقول الله تعالى:

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة 105:9)

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها …” (رواه مسلم وأحمد وابن ماجة)

وأخيرا، لم يقتصر ذكر الدينونة في العهد الجديد على يسوع المسيح وإنما ترتبط الدينونة بشخص آخر يأتي بعد المسيح يعظ العالم حول الخطية والبر والدينونة. ويشار إلى هذا الشخص في اليونانية بـ”باراكليتوس”، ولهذه الكلمة عدة معان ومنها “الشفيع”. فنحن نقرأ في الكتاب المقدس:
“لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ” (يوحنا 7:16-8)

وإن الادعاء بأن هذا الشخص هو الروح القدس كما يزعم علماء المسيحية ادعاء باطل، وذلك ببساطة لأن الروح القدس كان موجودا حال حياة السيد المسيح، فلا يصدق عليه معنى المجيء بعد السيد المسيح. وإنما يجيء من كان ليس موجودا حال حياة السيد المسيح، ألا وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الموصوف بأنه الشافع والمشفع، كما وصف نفسه وكما وصفه بذلك الكتاب المقدس.

فلقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم فعلا بعد السيد المسيح، نبيا ورسولا خاتما، يعظ الناس بأمور الخطية والبر والدينونة. وهناك تطابق بين هذا المعنى وبين المعنى الوارد في القرآن الكريم ومفاده “يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث”. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف 157:7)

ومن ثم، فإن السيد المسيح وإن كانت له شفاعة يوم القيامة كسائر الأنبياء والمرسلين إلا أن النبي محمد أول شافع وأول مشفع وصاحب الشفاعة العظمى وأول من يدخل الجنة، ولا أدل على ذلك من وصفه بأنه “الشافع” و”المشفع” في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح مسلم

3- الكتاب المقدس

4- موقع “biblehub”، الأصل اليوناني لكلمة “المعزي” ومعناه

5- موقع الأنبا تكلا

6- تفسير أصحاح 8 من إنجيل يوحنا للقمص تادرس يعقوب

7- تفسير أصحاح 8 من إنجيل يوحنا للقس أنطونيوس فكري

 

اقرأ أيضا:

الشفاعة في الإسلام والمسيحية (2/1)

شفاعة النبي محمد للخلق يوم القيامة

مواضيع ذات صلة