اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

الشفاعة في الإسلام والمسيحية (2/1)

مقدمة

الشفاعة

النبي محمد أول شافع وأول مشفع وصاحب الشفاعة العظمى وأول من يدخل الجنة

إن الأصل في الحساب يوم القيامة سواء في الإسلام أو المسيحية هو الإيمان والعمل الصالح أو بمعنى أصح الإيمان الاجتهاد في العمل الصالح لأن مجرد العمل الصالح لا يزحزح أي إنسان عن النار ولا يدخله الجنة وذلك لأن العمل الصالح مهما بلغ من الكمال في الحقيقة لا يكفي لإنقاذ الإنسان من عذاب جهنم ولا يبلغه نعيم الجنة، ناهيك عن أنه هو في حد ذاته نعمة ورزق من الله تحقق بتوفيق وتيسير منه وفضل كما أنه لا يقارن بباقي النعم الأخرى التي مكنت من نعمة الهداية إلى العمل الصالح، ولا يقارن بكم السيئات والذنوب التي تغفر حتى تتحقق النجاة من النار والفوز بالجنة، ولولا محو السيئات ومضاعفة الحسنات، ما نجى إنسان من النار وما دخل الجنة.

وإن هذه الحقيقة ثابتة بنصوص القرآن الكريم والكتاب المقدس نفسه. ففي القرآن الكريم، يقول الله تعالى:

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء 83:4)

كما يقول تعالى:

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (النور 21:24)

وفي الكتاب المقدس، ينقل العهد الجديد عن السيد المسيح نفيه الصلاح عن نفسه وعن غيره وعدم نسبته إلى إلا لله عز وجل وحده، فنحن نقرأ: وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ». (متى 19 :16-17)

كما ينقل العهد الجديد عن السيد المسيح نسبته الهداية إلى الله تعالى، فنحن نقرأ: “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي…” (يوحنا 44:6)، كما نقرأ: فَقَالَ: «لِهذَا قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي». (يوحنا 65:6)، كما نقرأ أيضا: “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ”. (أفسس 8:2)

ومن ثم، فإن الاجتهاد في العمل الصالح بعد الإيمان طبعا هو المعيار الذي جعله الله تعالى أساسا بعد فضله للنجاة من النار ودخول الجنة. وكثيرة هي آي القرآن وأعداد الكتاب المقدس التي تحث على الإيمان والعمل الصالح وتجعل النجاة رهنا بهما.

ففي القرآن الكريم، يقول الله تعالى:

بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 2 :81-82)

وفي الكتاب المقدس نقرأ: “فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: ‘إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ’”. (لوقا 50:7)، كما نقرأ: “مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟” (رسالة يعقوب 14:2)

كما ينقل الكتاب المقدس عن السيد المسيح قوله: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ! (متى 7 :21-23)

جدير بالذكر أن كلمة “رب” في الأعداد السابقة ليست الترجمة الصحيحة لكلمة “كوريوس” الواردة في النسخة اليونانية الأصلية من الكتاب المقدس، والترجمة الصحيحة هي “سيد”، انقر هنا لمعرفة المزيد.

المهم هنا أن القرآن الكريم والكتاب المقدس متفقان على أن الإيمان والعمل الصالح هما بعد فضل الله تعالى الفيصل في الخلاص والنجاة من النار والفوز بالجنة ونعيمها.

ومع ذلك، من فضل الله تعالى على الناس ورحمته بهم وتشريفا وتكريما لبعض خلقه، لاسيما الأنبياء والمرسلين، أن جعل للإنسان خلاصا ونجاة على يد الصالحين من خلق الله والمقربين إليه تعالى. وهذا المفهوم هو ما يعرف في الإسلام بـ”الشفاعة” ويعرف في المسيحية بـ”الشفاعة” أيضا بل و”الدينونة”.

الشفاعة في الإسلام

إن الأصل في النجاة في الإسلام كما أسلفنا هو الإيمان والاجتهاد في العمل الصالح، إلا أنه من فضل الله تعالى على الناس ورحمته بهم أن شفع فيهم بعض خلقه الصالحين وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وعن ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (مريم 87:19)

كما يقول تعالى:

يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه 109:20)

ومما خص الله تعالى به النبي محمد أن جعله أول شافع وأول مشفع، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع” (رواه مسلم وأبو داود) .

ومن خصائص النبي محمد أيضا “الشفاعة العظمى” وهي التشفع لدى الله تعالى لصرف الناس من أرض المحشر للحساب وذلك بعد أن يعتذر سائر أنبياء الله تعالى بما فيهم السيد المسيح نفسه عن هذه الشفاعة. فبعد طول انتظار، يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار.

فنحن نقرأ في حديث الشفاعة الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “…فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبيا، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنبا- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فيأتون محمدا، فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فانطلق فأتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب. فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب” (رواه البخاري في صحيحه)

وتسمى هذه الشفاعة “الشفاعة العظمى”، كما تسمى أيضا “المقام المحمود”، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: “إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود” (رواه البخاري في صحيحه)

ومن خصائص النبي محمد أنه أول من يدخل الجنة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ” (رواه مسلم)

أما السيد المسيح، فله شأنه شأن سائر الأنبياء والمرسلين شفاعة يوم القيامة ولكنها لا تكون إلا للمؤمنين بالله تعالى وحده وبه نبيا ورسولا من لدن بعثته عليه السلام وحتى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بمبعث النبي محمد يدخل جميع الناس حتى يوم القيامة في دعوته صلى الله عليه وسلم، ويكون جميع هؤلاء من أمته صلى الله عليه وسلم، فمن آمن به صار من “أمة الإجابة” ومن كفر به صار من “أمة الدعوة”.

والدليل على شفاعة السيد المسيح ما ورد في الصحيحين من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: “فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً” (رواه البخاري ومسلم)

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- صحيح مسلم

4- الكتاب المقدس

5- موقع “biblehub”، الأصل اليوناني لكلمة “رب” ومعناه

اقرأ أيضا

الشفاعة في الإسلام والمسيحية (2/2)

شفاعة النبي محمد للخلق يوم القيامة

مواضيع ذات صلة