القائمة الرئيسية
الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية
أكاديمية سبيلي Sabeeli Academy

كيف تعامل عيسى المسيح والنبي محمد مع بني إسرائيل (2/2)

بنو إسرائيل

لم تكن علاقة النبي باليهود علاقة عداء دائما بل كانت علاقة عدل وفضل حيث مرت بمراحل عديدة

في الجزء الأول، تناولنا نبذة تاريخية عن بني إسرائيل من واقع الكتاب المقدس ولاسيما العهد القديم والقرآن الكريم وكذلك علاقة عيسى المسيح عليه السلام ببني إسرائيل. وسنتناول في الجزء الثاني علاقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ببني إسرائيل والمراحل العديدة والمختلفة التي مرت بها هذه العلاقة ليعلم الجميع أن علاقة النبي محمد ببني إسرائيل لم تكن علاقة عداء دائما وإنما كانت علاقة عدل وفضل.

النبي محمد وبنو إسرائيل

يمكن تقسيم حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من حيث علاقته ببني إسرائيل واليهود بصفة عامة إلى ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى: مرحلة صحيفة المدينة وما قبلها، المرحلة الثانية: مرحلة نقض اليهود لصحيفة المدينة، المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد إجلاء اليهود من المدينة وما حولها.

المرحلة الأولى: مرحلة صحيفة المدينة وما قبلها؛ ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام في بيئة لم يعش فيها سوى وثنيي قريش وقليل من الحنفاء من أتباع النبي إبراهيم عليه السلام. ولم يعش في هذه البيئة أحد من بني إسرائيل على الإطلاق.

ولذلك، بدأ احتكاك النبي محمد باليهود وبني إسرائيل بعد هجرته إلى المدينة حيث كانت تعيش هناك بعض القبائل اليهودية وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.

وإن من أول الإجراءات التي اتخذها النبي محمد بعد هجرته إلى المدينة وضع دستور تعايشي تعددي لأهل المدينة من المسلمين واليهود. وفي الحقيقة، كان هذا الدستور فريدا من نوعه ولم يعرف التاريخ له مثيلا حتى وقت قريب. فقد وضع هذا الدستور في زمن لم يعترف بمفاهيم حرية الاعتقاد أو التعددية الدينية أو العرقية أو التعايش أو غير ذلك من المفاهيم الحديثة. فلم يعترف التاريخ في ذلك الوقت إلا بمفاهيم القوة والغلبة والقهر. وكان القوي يخضع الضعيف ويحمله على اتباعه ولا يسمح له بأي هامش من الحرية بما في ذلك حرية العقيدة.

فبالرغم من ذلك، نصت صحيفة المدينة على المساواة والعدل والإنصاف بين المسلمين واليهود، كما نصت على حماية اليهود وحماية أرواحهم وممتلكاتهم ونصرتهم وما يعرف الآن بالدفاع المشترك بين المسلمين واليهود.

المرحلة الثانية: مرحلة نقض اليهود لصحيفة المدينة؛ على الرغم مما حققه اليهود من مكتسبات بفضل صحيفة المدينة، نقضت ثلاثة قبائل رئيسية من اليهود الذين يسكنون المدينة هذه الصحيفة بارتكابها لأعمال تخالف مقتضى الصحيفة وتخون الأكثرية المسلمة القاطنة بالمدينة مما استدعى ردا حاسما على كل من هذه القبائل الثلاث كل على حسب جرمها وخيانتها.

فأما بنو قينقاع، فقد هتك أحدهم عرض مسلمة بكشف عورتها رغما عنها، فصرخت المرأة، فقتل رجل من المسلمين اليهودي، ثم شد اليهود على المسلم، فقتلوه. فأجلاهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المدينة نظرا لما صدر عنهم من الخيانة ونقض العهد وذلك بهتك عرض المسلمة وقتل المسلم الذي دافع عنها.

وأما بنو النضير، فقد تآمروا على قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم حال وجوده معهم، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم حاصرهم وأجلاهم أسوة ببني قينقاع الذين خانوا النبي صلى الله عليه وسلم من قبلهم.

وأما بنو قريظة، فقد تآمروا مع الأحزاب التي حاصرت المدينة للقضاء على النبي محمد والمسلمين وذلك بتمكين الأحزاب من دخول المدينة من ناحية حي بني قريظة ومباغتة المسلمين من خلفهم.

ولكن بعد فشل الأحزاب في اجتياح المدينة وانسحابهم من أطرافها، زحف النبي محمد نحو بني قريظة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس وحليفهم، فحكم بقتل الرجال، وسبي النساء والأطفال، واغتنام أموالهم وممتلكاتهم.

ولا غضاضة في ذلك، فالخيانة العظمى المتمثلة في خيانة المجتمع ككل والتآمر مع أعدائه عقوبتها هي القتل لمن ارتكب هذه الخيانة سواء ارتكبها فرد واحد أو مجموعة من الأفراد مهما كان عددهم.

المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد إجلاء اليهود من المدينة وما حولها؛ يظن الكثيرون أن النبي أجلى وقتل وسبى جميع يهود المدينة، ولكن ذلك خلاف الواقع والحقيقة ومقتضى الحال. فلقد مكث اليهود في المدينة جنبا إلى جنب مع المسلمين حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ولا أدل على ذلك من الأحاديث التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير. (رواه البخاري)

والحقيقة أن النبي لم يجل أو يقتل أو يسب سوى ثلاثة قبائل يهودية خانت عهده وهي: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، ولقد كانت هذه القبائل تعيش في أحياء منفصلة ومستقلة. أما من سواهم من اليهود فظلوا يعيشون مع المسلمين في المدينة حتى وفاة النبي دون أن يتعرض لهم أحد من المسلمين طالما أنهم التزموا بعهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. فلم يتعرض النبي ولا المسلمون لأحد من اليهود بعد القبائل سالفة الذكر سوى يهود خيبر لأنهم تحالفوا مع اليهود الذين تم إجلاؤهم من المدينة وأصبحوا مصدر تهديد للدولة الإسلامية الناشئة. لذا، فقد زحف النبي نحو خيبر وحاصرها وأجلى من فيها من اليهود لتأمين المدينة.

يهود في حياة النبي محمد

بخلاف ما يشاع عن النبي محمد من سوء علاقته باليهود وإجلائه وسبيه لهم، شكل اليهود جزء مهما من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وربطته بهم رابطة لا تخلو من المودة والمحبة والإحسان أو على الأقل البر والعدل والإنصاف.

زوجته صفية بنت حيي؛ وهي بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير وقد سبيت مع الأسرى يوم خبير فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وخيّرها بين الإسلام والبقاء على دينها قائلاً لها: “اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي (أي تزوّجتك)، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك”، فقالت: “يا رسول الله، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني، حيث صرت إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إليّ من العتق وأن أرجع إلى قومي” فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوّجها. (الطبقات الكبرى لابن سعد)

ولقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة قال: “ما هذه؟”، فقالت: “إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري، فقصصت المنام على ابن عمي ابن أبي حقيق فلطمني”، وقال: تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب، فهذه من لطمته. (الطبقات الكبرى لابن سعد والطبراني في الكبير)

وعن زيد بن أسلم قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفي فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: “إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي” فغمزن أزواجه بأبصارهن، فقال: “مضمضن”، فقلن: “من أي شيء؟” فقال: “من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة.” (سير أعمال النبلاء)

غلامه؛ كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم، فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار. (رواه البخاري)

صحابته؛ آمن بعض اليهود بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودخلوا الإسلام، ومن أشهرهم الصحابيان الجليلان عبد الله بن سلام ومخيريق.

فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: “إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ، قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا ،فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.” (رواه البخاري)

وروى عمر بن شبة من طريق أبي عون عن الزهري قال: “كانت صدقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أموالا لمخيريق بالمعجمة والقاف مصغر، وكان يهوديا من بقايا بني قينقاع نازلا ببني النضير ، فشهد أحدا فقتل به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مخيريق سابق يهود، وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم.” (فتح الباري شرح صحيح البخاري)

عدل النبي محمد مع اليهود

على الرغم من عدم إيمان معظم يهود المدينة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يضطهدهم أو يسئ إليهم وإنما تعامل معهم بكل احترام وعدل وإنصاف وإحسان. فعلى سبيل المثال، أبدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم احترامه لنفس يهودية بالرغم من كفرها به. فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا؟ (رواه البخاري)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على العالمين في قسم يقسم به فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم فقال لا تخيروني على موسى. (رواه البخاري)

ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم حريصا على تحري العدل في معاملاته ومعاملات أصحابه مع غير المسلمين لاسيما اليهود. فعن‏ ‏ابن أبي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيِّ أنَّه كان ليهوديٍّ عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه، فقال: يا‏ ‏محمَّد؛ ‏إنَّ لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها. فقال: «أَعْطِهِ حَقَّهُ». قال: والذي بعثك بالحقِّ، ما أقدر عليها. قال: «أَعْطِهِ حَقَّهُ». قال: والَّذي نفسي بيده، ما أقدر عليها، قد أَخْبَرْتُهُ أنَّك تبعثنا إلى‏ ‏خيبر، ‏‏فأرجو أن تُغْنِمَنَا شيئًا فأرجع‏ ‏فَأَقْضِيهِ. قال: «أَعْطِهِ حَقَّهُ». قال: وكان النَّبيُّ‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏‏إذا قال ثلاثًا لم يُرَاجَعْ. فخرج به‏ ‏ابن أبي حدردٍ ‏إلى السوق، وعلى رأسه‏ ‏عصابةٌ‏ ‏وهو ‏‏مُتَّزِرٌ ‏بِبُرْدٍ،‏ ‏فنزع العمامة عن رأسه‏ ‏فاتَّزر ‏بها، ونزع ‏ ‏الْبُرْدَةَ،‏ ‏فقال: اشْتَرِ منِّي هذه‏ ‏الْبُرْدَةَ. ‏فباعها منه بأربعة الدَّراهم، فمرَّت عجوزٌ فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله‏ -صلى الله عليه وسلم-؟ ‏فأخبرها، فقالت: ها دونك هذا.‏ ‏بِبُرْدٍ‏ ‏عليها طَرَحَتْهُ عليه. (رواه أحمد)

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجداد وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة فجلست فخلا عاما فجاءني اليهودي عند الجداد ولم أجد منها شيئا فجعلت أستنظره إلى قابل فيأبى فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه امشوا نستنظر لجابر من اليهودي فجاءوني في نخلي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلم اليهودي فيقول أبا القاسم لا أنظره فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام فطاف في النخل ثم جاءه فكلمه فأبى فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأكل ثم قال أين عريشك يا جابر فأخبرته فقال افرش لي فيه ففرشته فدخل فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام في الرطاب في النخل الثانية ثم قال يا جابر جد واقض فوقف في الجداد فجددت منها ما قضيته وفضل منه فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته فقال أشهد أني رسول الله (رواه البخاري)

وكما كانت تنزل آيات القرآن بإدانة اليهود لكفرهم بالله عز وجل، كانت تنزل أيضا بتبرئتهم إذا اتهموا بجرم لم يرتكبونه. فيروى أن رجلا من الأنصار سرق درعًا من جارٍ له مسلم يقال له: «قتادة بن النعمان»، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: «زيد بن السمين»، فالتُمِسَتِ الدرع عند «طعمة» فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره. فلمَّا حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة بن أُبيرق! فجاء بنو ظفر -وهم قوم طعمة- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعاقب اليهودي، فأنزل الله –تعالى- هذه الآيات من سورة النساء:

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا…وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا. (النساء 105:4-112)

وهكذا، لم تكن علاقة النبي محمد باليهود علاقة عداء دائما وإنما مد النبي محمد جسور التعايش والتفاهم مع اليهود بدليل صحيفة المدينة وزواجه من يهودية واتخاذه غلاما يهوديا خادما له وإيمان بعض اليهود به وعدله مع غيرهم من اليهود، فلم يعاقب النبي محمد يهوديا إلا بجرم ارتكبه وكانت العقوبة دائما متناسبة مع الجريمة.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- مسند الإمام أحمد

4- فتح الباري شرح صحيح البخاري

5- الطبقات الكبرى لابن سعد

6- المعجم الكبير للطبراني

7- سير أعمال النبلاء للذهبي

_________

كيف تعامل عيسى المسيح والنبي محمد مع بني إسرائيل (2/1)

مواضيع ذات صلة