منذ أمد بعيد يفخر المسيحيون بكتابهم المقدس من حيث المصدر والمصداقية، ولكن هذا الادعاء لا يثبت أمام النقد العلمي التاريخي للمخطوطات.
لمحة تاريخية عن مخطوطات الكتاب المقدس وتواريخها
وتستدعينا طبيعة البحث هنا أن نشرع في لمحة تاريخية عن بعض مخطوطات الكتاب المقدس وتواريخها.
مخطوطة الفاتيكان (03) B-Codex Vaticanus
وقد كُتِبت باليونانية بأمر الملك قسطنطين سنة 328 م ثم نقلت إلى الفاتيكان، وتعتبرها مقدمة الرهبانية اليسوعية أجلّ المخطوطات اليونانية، وقد عثر عليها عام 1481م، وتعود القرن الرابع الميلادي.
مخطوطة الإسكندرية (02) A- Codex Alexandrinus
وقد حفظت هذه النسخة في المتحف البريطاني في لندن ، وتعود للقرن الرابع الميلادي، وقيل أكثر من ذلك. وكانت تحوي هذه النسخة على 820 صفحة بقى منها 773 صفحة.
المخطوطة السينائية النسخة السينائية: (01) A-Codex Sinaiticus
واكتشفها قسطنطين تشندروف (وُلِد في يناير سنة 1815) عام 1859م، وتعود للقرن الرابع أو الخامس الميلادي. كتبها أسقف قيصرية عام 231م، وتحوى العهد الجديد ما عدا ( مرقس 16: 9- 2. ، يوحنا 7: 53- 8: 11) وهي الآن محفوظة في المتحف البريطاني بلندن تحت رقم 43725.
النسخة الإفرامية: (04) Codex Ephraemi
وتشمل العهد الجديد كله ماعدا رسالة تسالونيكي الثانية ويوحنا الثانية، بالإضافة إلى أكثر من نصف العهد القديم. ويرجع تاريخها إلى نحو 450م.
وهناك مخطوطات نذكر منها على سبيل الإجمال:
– مخطوطات قمران : والمكتشفة حديثاً يرجع تاريخها إلى القرنين الأول والثاني قبل الميلاد.
وهي مخطوطات اكتشفت فى عام 1947، على يد أحد الرعاة في وادي القمران ثم انتقلت إلى د. جون تريفر بالجامعة الأمريكية للأبحاث الشرقية بالقدس، وكان تريفر يهوى التصوير جدًا، فقام بمجهود خارق حتى تمكن من تصوير مخطوطة لسفر إشعياء بطول 24 قدم وعرض 10 بوصة، وأرسل الصور إلى د. أولبرايت من جامعة جون هوبكنز بأمريكا الذي يعتبر عميد الحفريات الكتابية.
وتشمل أسفار العهد القديم منها مخطوطة كاملة لسفر إشعياء ترجع إلى سنة 125 ق.م، ومخطوطة أخرى غير كاملة لسفر إشعياء أيضًا، ومخطوطة ثالثة لسفر حزقيال.
– مخطوطة ناش : وكتبت في القرن الثاني الميلادي، وفيها الوصايا العشر فقط.
– مخطوطة بردي جون ريلندز: وفيها أجزاء من العهد القديم ، وترجع أيضاً للقرن الميلادي الثاني.
ومنها الكثير كالنسخة الإخميمة حتى ربت يوجد في متاحف العالم إلى نحو 5300 مخطوطة للعهد الجديد باللغة اليونانية بالإضافة إلى 24000 مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد.
دواعي القول بتحريف مخطوطات الكتاب المقدس
ورغم كثرة هذه المخطوطات إلا أن الاختلاف بينها كثير جدا حتى إنه لا تتطابق مخطوطة مع أخرى، ولا أدل على ذلك من الاختلاف بين أبناء الدين الواحد الكاثوليك والبروتستانت على بعض الأسفار منها من حيث ردها واعتبارها أبوكريفا، والاختلاف حول عدد الأسفار.
كذا تدخلت الأيادي البشرية عن قصد، وعن غير قصد –أحيانا- في الأخطاء النسخية بها. ولم تسلم من عوامل الطبيعة في الطمس، والاستبدال، والتخمين لبعض النصوص المطموسة من قبل المحققين. أضف إلى ذلك أنه باتفاق كثير من منظري المسيحية أن كثيرا من المخطوطات ليست مكتوبة بأيدي مؤلفيها، بل نسبت إليهم عزوا ولم يوجد ما يدل سندا ولا تصديقا -على هيئة ختم معين- ما يدل على عزوها إليهم، وأن النسخ الموجودة حاليا ما هي إلا ترجمات فقط وليست النص الأصلي. وماذا تغنى هذه الترجمات مع فقدان النص الأصلي؟! فلا يمكن أن تكون الترجمة أصلا مهما بلغت في الدقة باعتراف أهل اللغة على ذلك.
وما يدفعنا إلى القول بتحريف الكتاب المقدس تلك الشنائع التى ألصقت بكلام الله من حيث نسبة الولد له، وزعم كون الآلهة ثلاثة. وحذف نساخ الكتاب المقدس-سيما فيما يخص اليهود كل ما يدينهم-فنرى أن قتل إشعياء لا يذكر وقتل كثير ممن الأنبياء وكثيرا من سيرتهم لم تذكر. لذلك نجد الكنيسة الشرقية قد وقعت فى مأزق حينما رأت نصا تنوقل إلى الترجمات الغربية مفاده التصريح صراحة لا ريب فيها بالتثليث مع فقد هذا النص في المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس.
جاء في النسخه الكاثوليكية للكتاب المقدس:
“ولكن هناك فقرة كانت في الماضي موضوع مناظرة مشهورة . ومن الاكيد انها غير مثبتة . انها جملة معترضة وردت في 5 : 6-8 ، وهي التي بين قوسين في هذه الجملة “الذين يشهدون هم ثلاثة ( في السماء وهم الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون هم ثلاثة في الأرض ) الروح والماء والدم ، وهؤلاء الثلاثة هم متفقون . لم يرد هذا النص في المخطوطات في ما قبل القرن الخامس عشر، ولا في الترجمات القديمة، ولا في أحسن أصول الترجمة اللاتينية ، والراجح انه ليس سوى تعليق كتب في الهامش ثم أقحم في النص في اثناء تناقله في الغرب”.
يقول ستيفن ميلر وروبرت هوبر في تاريخ الكتاب المقدس:
“أقدم الكتب التي وصلت إلينا: لا أحد يعلم متى تم ضم أسفار العهدين القديم والجديد في مجلد واحد في مجلد واحد، ولكن أقدم نسختين من الكتاب المقدس وصلتا إلينا (كاملتين تقريبا) ترجعان إلى منتصف القرن الرابع، وتعرفان اليوم بالمخطوطة الفاتيكانية والمخطوطة السينائية، وتحتويان على معظم النسخة السبعينية(وهي ترجمة للنص العبرى للكتاب المقدس والتى أصبحت ترجمة معتمدة لدى الكنيسة للعهد القديم. وجاء في وقد ترجمت على مراحل في الفترة ما بين القرن الثالث إلى الأول قبل الميلاد)، وتحتوى على الأسفار التى حذفها اليهود، واعتبرها البروتستانت أسفارا أبوكريفية مع أن المخطوطة الفاتيكانية ينقصها أسفار المكايين. وكلتا المخطوطتين تحتويان على أسفار العهد الجديد كلها (27 سفرا). والمخطوطة السينائية تحتوي أيضا على رسالة برنابا وراعي هرماس. والأرجح ان النسخ الفاتيكانية قد كتبت في مصر في نحو 350م، ثم انتهى بها المسار إلى مكتبة الفاتيكان في روما. اما النسخة السينائية فلها تاريخ أكثر إثارة، فقد كتبت في مصر في أواخر القرن الرابع وحفظت في دير سانت كاترين عند أقدام جبل موسى “.
لقد عاش نبى الله موسى عليه السلام في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وبينه وبين المخطوطات باستثناء مخطوطة قمران ما يقارب الستة عشر قرنا.
وباقي المخطوطات ما ظهر منها أقرب مخطوط إلى عيسى إلا بعد موته بقرن وهي لا تتفق في كثير من نصوصها .
يقول رياض يوسف داود في كتابه مدخل إلى النقد الكتابي:
“نحن لا نملك نصوص الأناجيل الأصلية، فهذه النصوص نسخت وحصلت أخطاء فيها أثناء النسخ، وغالبا ما نقع على قراءات متعددة للآية الواحدة عبر مختلف المخطوطات التي وصلت إلينا، فأي قراءة نعتمد؟.. لذلك يتحتم علينا الركون إلى علم نقد النصوص للوصول عبر مختلف المخطوطات إلى النص الأصلي. فعلم نقد النصوص يهدف إلى الوصول إلى أقرب ما يمكن من الأصل الأول. وأول عمل هو النظر في جميع نسخ النص، بحيث تحصى وترتب جميع الوثائق التي يرد فيها نص العهد الجديد كله أو بعضه، ولا يقتصر الأمر على مراجعة الكتب المخطوطة باليونانية، بل تراجع جميع الكتب التي تحتوي على ترجمة العهد الجديد التى استعملها المسيحيون في القرون الأولى (اللاتينية-السريانية-القبطية)، فهي تشهد في حالة للنص أقدم مما يمكن الوصول إليه بمراجعة أقدم الأصول اليونانية)”.
ويقول ستيفن ميلر وروبرت:
“كما تناول الشك مصادر أسفار العهد الجديد ومن كتبوها في السنوات المبكرة من النقد الكتابي. في البداية بدأ العلماء يعتقدون أن ليست كل الرسائل المنسوبة لبولس، قد كتبها هو فلعل البعض منها كتبها تلاميذه الذين استعاروا اسم بولس ليضفو عليه أهمية أكبر، وسرعان ما ظهرت آراء كثيرة عن أي الرسائل كتبها بولس حقا. كما بدأ العلماء يتساءلون عمن كتب الأناجيل ومتى، قائلين إن أسماء البشيرين متى ومرقس ولوقا ويوحنا لم تطبق على الأناجيل إلا في القرن الثاني، وقد لا تكون دقيقة، وبناء عليه فحصوا الأناجيل بالتدقيق بالوصول إلى دليل داخلي على المؤلف والمصادر التي بنى عليها المؤلفون كتبهم”
إن الناظر إلى الأناجيل اليوم ليرى الخلل الذي أصابها من حيث تناقض الروايات ومن حيث سندها. يقول فهيم عزيز في كتابه المدخل إلى العهد الجديد: “ولكن من هو الذي كتب إنجيل يوحنا. هذا السؤال صعب، والجواب عليه يتطلب دراسة واسعة، غالبا ما تنتهي بالعبارة: لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل”.
مراجع
-موقع حراس العقيدة.
-موقع ابن مريم .
-النسخه الكاثوليكية للكتاب المقدس ط3، دار المشرق.
-ستيفن ميلر وروبرت هوبر في تاريخ الكتاب المقدس.
-يوسف داود في كتابه مدخل إلى النقد الكتابي- دار المشرق بيروت.
-موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
-موسوعة الويكيبديا.