معجزات يسوع فى الكتاب المقدس
يعج الكتاب المقدس بمعجزات يسوع المسيح من شفاء للمرضى وإخراج للأرواح النجسة وغيرها الكثير من المعجزات بشتى أنواعها. ومن تلك النصوص التى يتقرر فيها هذا على سبيل المثال:
“وَلَمَّا اجْتَازَ يَسُوعُ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا إِلَى الْعَبْرِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ. 22وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ اسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، 23وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا قَائِلاً:«ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا!». 24فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ.25وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، 26وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ. 27لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، 28لأَنَّهَا قَالَتْ:«إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ». 29فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ.”(مرقس 5:-29:21)
الموقف المسيحى من معجزات يسوع؟
والقرآن الكريم قرر بعضا من تلك المعجزات بضوابط وصمت عن أخرى:
“وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”. (49:3)
ولكننا نلمس المبالغة من الجانب المسيحى فى الاعتداد بهذه المعجزات دليلا على الوهية عيسى عليه السلام.
ولعل هذا الخلل الذى أصاب الفهم الكنسى لمعجزاته عليه السلام تأتى من تذبذب مفهوم المعجزة لدى المسيحيين.
تعريف المعجزة
يعرف الشريف الجرجانى المعجزة بقوله: “أمر خارق للعادة، داعٍ إلى الخير والسعادة، مقرون بدعوى النبوة، قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول من الله.”
ويظهر من هذا التعريف أن المعجزة يسوقها الإله على يد نبيه أو رسوله تصديقا لرسالته وليس إبانة لألوهيتة وإلا لصارت هذه المعجزة تكذيبا للرب أو إثباتا لشريك لله-تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. لذا قال صاحب التعريفات” مقرون بدعوى النبوة” وليس دعوى الألوهية.
ونجد القرآن الكريم وهو يقرر معجزات عيسى عليه السلام عيسى عليه السلام يبين أنه ما أتى بتلك المعجزات إلا بإذن ربه وما ساقها إلا لبيان ألوهية ووحدانية ربه تعالى:
“إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ” (110:5).
بل إننا نجد هذا الاعتراف فى الأناجيل على لسان يسوع نفسه، يقول:
“أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ”(يوحنا:30:5)”
ويقرر أنه عبد ضعيف فى حاجة ربه فيقول:
“وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: أَيُّهَا الأبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ دَوْماً تَسْمَعُ لِي. وَلكِنِّي قُلْتُ هَذَا لأَجْلِ الْجَمْعِ الْوَاقِفِ حَوْلِي لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي” (يوحنا،41:11-42).
وفى معرض معجزة كبرى لعيسى عليه السلام وهى سؤال الحواريين لمائدة من السماء أبان القرآن على لسان عيسى عليه السلام أن كل ما صدر عن عيسى عليه السلام من تلك المعجزات لا يعد مؤهلا له لادعائه الألوهية أو كونه شريكا لله أو ابنا له:
“وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ”(116:5).
المسيح عليه السلام ليس بدعا من الرسل أو الأنبياء
ولقد أتى النبى محمد صلى الله عليه سلم بمعجزات منها ما شابه معجزات عيسى عليه السلام فلقد رد على قتادة عينه وكثر الماء بين أصابع يديه الشريفة، ففى الحديث:
عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها، فجهش الناس نحوه، قال: «ما لكم؟» قالوا: ليس عندنا ما نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك. قال جابر: “فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا”. قال سالم لجابر: “كم كنتم؟” قال: “لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة”.
وفى خيبر لما كانت بعينى على-رضى الله عنه- رمد مسها النبى فبرئت.وقد زادت على معجزاته على الألف، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلاَّ وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا». فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَعْطَى اللَّهُ عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ حَنِينَ الْجِذْعِ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ».
وهناك من الأنبياء من أيد بمعجزات فاقت معجزات عيسى عليه السلام فى القدر كمعجزات موسى عليه السلام من قلب العصا حية وانفلاق البحر وتفجر العيون وكذا وسليمان- عليه السلام -الذى سخرت له الجن وبلغ ملكه ما بلغ ومع ذلك لم يدع أحد منهم الألوهية ولا اتخذههم أقوامهم آلهة لتلك المعجزات.