لقد تأثرت المسيحسة عبر تاريخها بشتى ألوان الفكر الإنسانى مما جعلها أرضا خصبة لكثير من النصوص الوثنية والفلسفية التى ما زال أتباعها يتشبثون بها ويدعون إليها. ونرى فى هذا المقال بعضا من أوجه هذا التأثر وكيف أن أصحابها قد نحوا بها منحى يخالف ما كانت عليه تعاليم المسيح -عليه الصلاة والسلام.
التأثر بالعهد القديم
تأثرت النصرانية فى متعقداتها بالعهد القديم، ولا عجب فى ذلك فلقد بين عيسى وفقا للأناجيل أنه جاء ليكمل لا لينقض. ولكن الأعجب أنها توارثت تقاليده بما جاء فيها من تحريفات يهودية وعقائد باطلة أيضا.
التأثر الوثنى
لقد جاءت محاور التأثر النصرانى-الوثني من عدة أوجه منها التأثر النصرانى-غير النصراني بدخول غير المسيحيين فى الديانة المسيحية وجلبهم لأفكارهم الموروثة إلى النصرانية:
لقد أدخل أمينوس (ت 242م) أفكارا وثنية إلى النصرانية بعد أن اعتنقها وارتد عنها إلى الوثنية الرومانية.
ولما ذاعت الفلسفة الأفلوطينة وغيرها من الفلسفات نهلت النصرانية كغيرها منها وتأثرت بها فعندما اعتنق الرومان الديانة النصرانية نقلوا إليها أبحاثهم الفلسفية وثقافتهم الوثنية ومزجوها بها حتى صارت خليطا من ذلك.
لقد امتزجت تعاليم عيسى عليه السلام بالأفكار الوثنية الشركية التى راحت تفسر الكون ومفهوم الإله تبعا للفلسفات الوثنية والأساطير الإغريقية و تلك الأفكار التى كانت تذيع فى الأوساط الهندية من بوذية وهندوسية وغيرها، فلقد سبقت أفكار بوذا النصرانية المحرفة بخمسة قرون، وتكشف بعض الدراسات الحديثة تطابقا عجيبا بين شخصية بوذا وشخصية المسيح كما ترويها الأناجيل.
كانت فكرة التثليث التى أقرها مجمع نيقية 325م انعكاسا للأفلاطونية الحديثة التى جلبت معظم أفكارها من الفلسفة الشرقية وكان لأفلوطين (ت 270 م) أثر بارز على معتقداتها، فأفلوطين هذا تتلمذ فى الإسكندرية ثم رحل إلى فارس والهند وعاد بعدها وفى جعبته مزيج من ألوان الثقافات، ومن ذلك قوله بأن العالم فى تدبيره وتحركه يخضع لثلاثة أمور:
- المنشىء الأزلى الأول.
- العقل.
- الروح التى هى مصدر تتشعب منه الأرواح جميعا.
وكل ذلك يضع أساسا للتثليث إذ أن المنشىء هو الله والعقل هو الابن والروح هو الروح القدس.
لم تكن عقيدة التثليث معروفة فى عصر الحواريين (العصر الرسولى) تقول دائرة المعارف الفرنسية: (وإن تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق، وما كان بطرس وحواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله”.
ويقول دبليو ريد: “إن بولس قد غير النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثانى، إنه فى الواقع مؤسس المسيحية الكنسية”. ويقول لونى نيك: “لو لم يكن بولس لعادت المسيحية فرقة من الديانة اليهودية، ولما كانت ديانة كونية”.
-تأثرت النصرانية بديانة متراس التى كانت موجودة فى بلاد فارس قبل الميلاد بحوالى ستة قرون وهى تتضمن قصة مثلية لقصة العشاء الربانى.
-فى الهندوسية تثليث، وأقانيم وصلب للتكفير عن الخطيئة، وزهد ورهبنة وتخلص من المال لدخول فى ملكوت السماوات. والإله لديهم له ثلاثة أسماء فهو فشنو أى الحافظ وسيفا المهلك وبرهما الموجد وكل ذلك انتقل إلى النصرانية بعد تحريفها.
الموقف الإسلامي من هذا التأثر
لقد أبان القرآن الرسالة التى جاء بها عيسى عليها السلام فى ثوبها الأصيل وكيف أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس إلى توحيد الله وإفراده بالعبودية ورفض كل أشكال المغالاة فى شخصه أو أمه أو الروح القدس:
“فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿٣١﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿٣٢﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿٣٣﴾ ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿٣٤﴾ مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾ وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٣٧﴾”.(29:19-37)
وجاءت ملامح رسالته فى القرآن متسمة مع سابقيه من رسالات الرسل الكرام قبله:
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). (117:5)
ومع بيان الإسلام لكل تلك أوجه تلك التحريفات فى الجانب النصرانى وقف الإسلام مع أتباع تلك الديانة موقفا وسطا عدلا حيث اعتبر الأصل السماوى لتلك الديانة مع بيان زيف ما جاء فيها. وفرع عن ذلك عصمة دماء أتباعها فى حال التزامهم السلم مع المسلمين وكفل لهم حقوقا تعرف بحقوق أهل الذمة فيقول النبى –صلى الله عليه وسلم- :
(استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما).
ونهى النبى صلى الله عليه وسلم أتباعه عن التسرع فى الحكم على كل ما جاء فى الأناجيل بأنه من الباطل وقال لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تخالفوهم.
فقد خرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل ) الآية،
قال ابن حجر فى فتح البارى: “أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه . أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج . ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد بخلافه . ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفائه”
كما أنه أيضا نهاهم عن الإغراق فى النظر فيها واعتمادها كأصل يرجع إليه فى إقرار التعاليم الإلهية أو الحكم عليها لما شابتها من من تحريفات غيرت جوهرها الصافى وحادت بها عن الطريق المستقيم، ففى الحديث:
أن عمرَ بنَ الخطابِ أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكتابٍ أصابه من بعضِ أهلِ الكتابِ فقرأه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال فغضب وقال أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابنَ الخطابِ والذي نفسي بيده لقد جئتُكم به بيضاءَ نقِيَّةً لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فتكذبوا به أو بباطلٍ فتُصدِّقوا به والذي نفسي بيده لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وَسِعَه إلا أن يَتَّبِعَني”.
مراجع
الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، د. مانع الجهنى، دار الندوة العالمية للنشر.
المسيحية فى الإسلام لأحمد شلبي