كثيرا ما تتخذ الحور العين مادة للتهجم على الإسلام والمسلمين والسخرية منهم مع التركيز على محاولة إحصاء عددهن لكل رجل والنيل من الإسلام بادعاء ظلمه للمرأة لعدم وعدها بوعود مثيلة في الجنة.
والحق والحقيقة أن هذه محاولة يائسة للصد عن الإسلام والتنفير منه لأن هذا الموضوع إذا وضع في نصابه الصحيح لتبين أن ما يثار عنه ما هو إلا محض أكاذيب وافتراءات ليست بالجديدة والهدف منها هو تشويه الإسلام ظلما وعدوانا.
ففي الواقع، يعد الإسلام أكثر الأديان والرسالات توازنا واعتدالا في جميع أموره حتى عند تناول هذا الموضوع الخاص بطبيعة النعيم الأخروي في الجنة.
وضوح الثواب الأخروي في الإسلام والعدل فيه
بادئ ذي بدء، يعتبر الإسلام أكثر الديانات وضوحا في تناوله لقضايا اليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب بصفة عامة والجنة والنار بصفة خاصة كما أنه الأكثر عدالة في كل ذلك على نحو ما بيناه في منشور منفصل.
فكثيرا ما يرتبط الثواب والوعد بالجنة ارتباطا واضحا بالإيمان والعمل الصالح وكثيرا ما يرتبط العقاب والتوعد بالنار ارتباطا واضحا أيضا بالكفر والعمل الطالح في آي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. ففي القرآن، نقرأ على سبيل المثال:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 23:2-25)
وكثيرا ما يعكس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عدلا تاما في الثواب الأخروي بين جميع الخلائق سواء بين أمة محمد وغيرها من الأمم أو بين المؤمنين رجالا ونساء إلى غير ذلك من أشكال العدل والإقساط.
فعن العدل بين أمة النبي محمد وغيرها من أمم الأنبياء السابقين نقرأ على سبيل المثال:
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62:2)
وعن العدل بين المؤمنين رجالا ونساء من أمة محمد نقرأ على سبيل المثال:
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (آل عمران 195:3)
وكما ذكرنا، لا نجد مثل هذا الوضوح في بيان الثواب والعقاب والعدل فيهما في الرسالات السماوية الأخرى لاسيما اليهودية والمسيحية.
هل الحور العين يمثلن كل ما في الجنة بالنسبة للرجال؟
على الرغم من أن للثواب الأخروي أشكالا وألوانا مختلفة في الإسلام إلا أننا وللأسف نجد بعض المغرضين من أعداء الإسلام يغفلون جميع هذه الأشكال والألوان ولا يذكرون بل ولا يطنبون إلا في الحور العين في محاولة للتشهير بالإسلام والمسلمين.
وفي الحقيقة، تتعدد أشكال الثواب الأخروي بتعدد شهوات الإنسان الحسية منها والمعنوية. ولا يتناهى هذا الثواب كما أن شهوات الإنسان لا تتناهى.
فكلما أمر الإنسان بجهاد نفسه وبالصبر وبكبح جماح شهواته في الدنيا تجنبا للوقوع في الحرام، وعده الله بمثلها بل وبخير منها كثواب من عنده في الجنة. فنحن نقرأ على سبيل المثال:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (آل عمران 142:3)
كما نقرأ ايضا:
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (الرعد 22:13-24)
فعلى سبيل المثال، كما يرد الأمر بكبح جماح شهوات الطعام والجنس وغيرهما في الدنيا، يوعد المؤمنون بإشباعها في الآخرة. فنحن نقرأ:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 2:25)
كما نقرأ أيضا:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ. قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران 14:3-15)
وكما أسلفنا، لا تناهي ولا حد مطلقا لنعيم الجنة من طعام وشراب وحور عين وأنهار وغيرها. فعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (غافر 40:40)
ويتبين من هذه الآية أن أشكال النعيم غير متناهية سواء بالنسبة للرجال أو النساء فلا حد لها. ولكن ماذا عن إشباع الشهوة الجنسية بالنسبة للرجال والنساء في الجنة؟
هل الحور العين في الكتاب المقدس أيضا؟
قبل أن نتحدث عن الحور العين كشكل من أشكال النعيم الأخروي في الإسلام، لابد أن نتعرف على ما إذا كانت هناك حورا عينا أو زوجات في الآخرة للرجال في الكتاب المقدس.
في الحقيقة، ليست الحور العين أو الزوجات في الجنة بفكرة غريبة أو غائبة عن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بل هي من صميم اليهودية والمسيحية وكتبهما ولكنها لا تقدم بالوضوح الذي تقدم به في الإسلام.
فأما اليهودية، فيخبرنا العهد الجديد أن اليهود قبل بعثة السيد المسيح كانوا يعلمون أنه سيكون للرجال زوجات في الجنة. ولذلك فقد سألوا السيد المسيح السؤال التالي: «يَامُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ، وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ، يَأْخُذُ أَخُوهُ الْمَرْأَةَ وَيُقِيمُ نَسْلاً لأَخِيهِ. فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. وَأَخَذَ الأَوَّلُ امْرَأَةً وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ، فَأَخَذَ الثَّانِي الْمَرْأَةَ وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا الثَّالِثُ، وَهكَذَا السَّبْعَةُ. وَلَمْ يَتْرُكُوا وَلَدًا وَمَاتُوا. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. فَفِي الْقِيَامَةِ، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ!» (لوقا 28:20-33)
وأما المسيحية، فينقل العهد الجديد عن السيد المسيح وعده لأتباعه بالزوجة بل وأضعافها أي عدة زوجات في الآخرة. ففي العهد الجديد نقرأ: “وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ”. (متى 29:19)
الحور العين في الإسلام
قبل الحديث عن الحور العين ودرءً لشبهة الزنا بهن، يخبرنا القرآن الكريم بأن الله تعالى قد أعد للمؤمنين من الرجال أزواجا مطهرة أي زوجات وليست خليلات أو محظيات. فنحن نقرأ على سبيل المثال:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (النساء 57:4)
ولقد وصف القرآن هذه الزوجات في أكثر من موضع بـ”قاصرات الطرف” أي اللاتي لا ينظرن إلا إلى أزواجهن فقط. فنقرأ في القرآن الكريم:
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (الصافات 37:48)
كما وصفت هذه الزوجات بـ”الحور المقصورات في الخيام” أي اللاتي تقررن في مساكن أزواجهن في الجنة فلا يخرجن منها ولا يراهن غير أزواجهن. فنقرأ في القرآن الكريم:
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (الرحمن 55:72)
وعن هذه الحور نقرأ أيضا في القرآن الكريم:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (الدخان 51:44-54)
هل للنساء حور عين من الرجال؟
أما النساء، فالمؤمنة المتزوجة منهن تكون زوجة في الجنة لزوجها الذي كان في الدنيا. وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (غافر 8:40)
وأما إذا كانت المرأة قد تزوجت عدة أزواج في الدنيا، فتكون في الجنة زوجة لآخرهم. فعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال لامرأته إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. (سنن البيهقي)
أما إذا ماتت المرأة في الدنيا دون أن تتزوج أو كانت متزوجة من رجل لم يكتب له دخول الجنة، فلم يرد بخصوص هذه المرأة نص صريح في الكتاب أو السنة. واجتهد بعض العلماء في القول بأن الله سيجعلها زوجة لأحد رجال أهل الجنة. واستدلوا على ذلك بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب “ (رواه مسلم)
ولنا أن نقول أن ما يهم الإنسان ذكرا كان أم أنثى أن يدخل الجنة فحسب، فإذا دخلها، ضمن له المولى النعيم المقيم فيها، وحينئذ سيجد الإنسان ما يشتهيه فيها بل وأكثر. وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (آل عمران 198:3)
كما نقرأ أيضا:
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (النساء 124:4)
وإن احتياجات الإنسان تختلف في الآخرة عن احتياجاته في الدنيا. ففي الجنة، ستختلف شهوات الإنسان عن شهواته في الدنيا حيث تتبدل قواعد الدنيا بقواعد الآخرة، ويقنع الإنسان بما يكتبه الله له من النعيم ويرضى به سواء كان رجلا أو أنثى. وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف 43:7)
وتتفاوت درجات الجنة أو الجنان ويختلف نعيم الآخرة فيها عن نعيم الدنيا، وتتعدد أشكال هذا النعيم الأخروي، وقد يكتب لبعض أهل الجنة نعيم ولا يكتب لغيرهم، ولا يعني ذلك ظلم بعض أهل الجنة، وإنما لكل فرد من أهل الجنة جنته ونعيمه الخاص الذي يستحقه، ويتفاوت هذا النعيم من فرد لآخر.
فعلى سبيل المثال، يكتب الفردوس الأعلى وهو أعلى درجات الجنة لبعض أهل الجنة دون غيرهم، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ـ وفي رواية إنها جنان كثيرة ـ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى (رواه البخاري)
وفي الجنة نهر ليس لأحد إلا للنبي محمد وهو الكوثر، وعن أنس بن مالك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه- أو طينه – مسك أذفر” (رواه البخاري)
وفي الجنة باب لا يدخل منه إلا الصائمون، فعن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد (رواه البخاري)
ففي الأحاديث السابقة دليل على أن للجنة درجات مختلفة والنعيم فيها متفاوت. ولذلك، على المرء أن يعي ذكرا كان أو أنثى أنه إن دخل الجنة سينال نصيبا كافيا من النعيم أيا كانت أشكال هذا النعيم.
عدد الحور العين للرجل الواحد في الجنة
بخلاف العهد الجديد الذي يحدد مائة امرأة للرجل الواحد، لم يحدد القرآن الكريم عدد الحور العين لكل رجل من أهل الجنة وإنما اكتفى بالوعد بـ”حور عين” بصيغة الجمع للمؤمنين في الجنة. فالحور جمع حوراء، والحوراء هي المرأة البيضاء الجميلة. وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات 48:37-49)
أما السنة النبوية المطهرة، فأصح ما ثبت فيها أن للمؤمن في الجنة زوجتين من الحور العين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا” (رواه البخاري)
ولكن هناك أحاديث أقل ثبوتا تذكر أن لبعض المؤمنين لاسيما الشهداء عددا أكبر من الحور العين وهو تحديدا اثنان وسبعون وذلك من باب مزيد الثواب والكرامة لهم.
فعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه (رواه الترمذي)
والحاصل أن السعداء من عباد الله الذين سيدخلون الجنة سينعمون فيها أيما نعيم، وسيجدون فيها كل ما كانوا يشتهونه في الدنيا حسبما تعهد الله بذلك ولا تصح محاولة إحصاء أو تحديد أشكال النعيم في الجنة ما لم يرد بذلك دليل صحيح من الكتاب والسنة. والأفضل أن يشغل الإنسان نفسه بما يدخله الجنة ويبعده عن النار، فمتى دخل الإنسان الجنة وزحزح عن النار فقد فاز وعليه أن يعي أن الجنة دار نعيم غير متناه وأن من خلقه وأدخله الجنة أدرى بما ينعمه ويترفه فيها.
وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (فصلت 41:31)
كما نقرأ أيضا:
الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ. يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (الزخرف 69:43-71)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: “أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة 17:32)” (رواه البخاري)
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- صحيح مسلم
4-سنن الترمذي
5- سنن ابن ماجة
6- سنن البيهقي
7- الكتاب المقدس
8- موقع الأنبا تكلا
_________
اقرأ أيضا:
علامة اليوم الآخر وصفته والحساب عند اليهود والمسيحيين والمسلمين