من أسماء الله وصفاته “القيوم”، أي القيّم الذي يقوم على أمر خلقه وعباده. وإن هذه القيومية تقتضي أزلية وجوده غير المسبوق بالعدم ووعيه الدائم غير المسبوق باللاوعي ويقظته غير المنقطعة بالنوم وسرمدية بقائه غير المنتهية بالموت. فلا وجود لهذا الكون ابتداءً ولا استمرارية لبقائه، إذا لم يسبقه إلهه في الوجود أو إذا غيب النوم أو الموت هذا الإله عنه.
القيوم في الإسلام
نجد الإله في القرآن الكريم متصفا بـ”القيوم” الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. فنحن نقرأ:
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (البقرة 255:2)
وإن اسم الله “القيوم” من أعظم أسماء الله عز وجل الذي دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. فعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ“، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى”. (رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني)
كما يوصف الله تعالى بأنه “القيّم”. فلقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يناجي ربه بهذا الاسم إذا تهجد من الليل. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل قال: “اللهم ربنا لك الحمد أنت قيّم السموات والأرض ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد…” (رواه البخاري في صحيحه)
القيوم في المسيحية
على الرغم من اتخاذ السيد المسيح إلها في المسيحية، يخبرنا الكتاب المقدس أنه ليس قيوما، فلقد ولد بعد خلق الكون، فأصبح طارئا عليه، فنحن نقرأ: “أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”. (متى 18:1)
ويروي لنا الكتاب المقدس في عهده الجديد أن السيد المسيح كان مولودا صغيرا لا حول له ولا قوة، وقد هرب يوسف النجار به وبأمه إلى مصر لإنقاذه من الهلاك. فنحن نقرأ: وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». (متى 13:2)
ويحدثنا الكتاب المقدس أن السيد المسيح كان ينام شأنه شأن غيره من البشر. فنحن نقرأ: “وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ، وَكَانَ هُوَ نَائِمًا. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ:’ يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!”’ (متى 8 :23-25)
وأخيرا، يحكي لنا الكتاب المقدس أن السيد المسيح قد مات لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال وأنه قد تنبأ بذلك. فنحن نقرأ: “لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال” (متى 40:12)
ومع ذلك، فالكتاب المقدس في عهده الجديد وفي نفس إنجيل متى الذي اقتبسنا منه الأعداد السابقة يبين أن السيد المسيح دفن مساء الجمعة (متى 60:27) وقام قبل فجر يوم الأحد (متى 1:28) أي مساء يوم السبت، أي أنه لم يلبث في قبره المزعوم إلا ليلتين ويوم واحد.
وعلى أي حال، لنا أن نسأل: من كان يقوم على أمر الكون قبل ميلاد المسيح وحال كونه مولودا رضيعا لا حول له ولا قوة وعند نومه وبعد قتله وموته طوال الأيام الثلاثة والليال الثلاث المزعومة؟
مما لا شك فيه أن الله تعالى (المسمى بـ”الآب” في المسيحية) هو من يقوم على أمور الكون في جميع هذه الأوقات وغيرها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الله هو الإله والسيد المسيح ليس بإله، ولو كان المسيح إلها، لما استقام أمر الكون قبل مولده وفي صغره وحال نومه وبعد موته المزعوم. ولكن حيث إنه قد استقام أمره، فلقد كان هناك من هو غير السيد المسيح قائما على أمره، إذا فالمسيح ليس بإله، والله تعالى هو الإله الحي القيوم.
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- الكتاب المقدس