كثيرا ما يدور الجدل بين المسلم والمسيحي حول الدين الأكثر تعففا وحشمة، وعادة ما يدلي كل طرف بدلوه انتصارا لرسالته السماوية، وغالبا ما يدور النقاش حول موضوعات مثل ستر العورة وفرضية الحجاب من عدمها ونحو ذلك. ولكننا رأينا أن نناقش ما هو أخص من ذلك وهو إباحة التلامس من عدمها بين المسيحية والإسلام.
التلامس في الإسلام
يحرم الإسلام كل أشكال التلامس بين الرجل والمرأة الأجنبيين، أي اللذين ليسا زوجين وليسا من الأقارب الذين يحرم عليهم الزواج من بعضهم البعض. فمتى احتملت الشهوة بين الرجل والمرأة، تطبق أحكام شرعية لمنع ثوران هذه الشهوة وتطورها إلى عمل غير مشروع لإشباع هذه الشهوة المثارة.
ولقد نهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن لمس المرأة الأجنبية. فلقد روى الطبراني والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له”
ولما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة الحسنة لأمته، فلم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه لمس يد امرأة بخلاف زوجاته صلى الله عليه وسلم. فلم يصافح النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ولم يمسك بيدها حتى عند المبايعة التي جرت العادة فيها بإمساك اليد والمصافحة.
قال عروة أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن (في بيعة النساء) بهذه الآية “يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن إلى غفور رحيم” قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك، كلاما يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله. (رواه البخاري)
وفي رواية أخرى عند البخاري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية “لا يشركن بالله شيئا”، قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها.
وعن أميمة بنت رقيقة -رضي الله عنها- أنها قالت: أتيت النبي-صلى الله عليه وسلم- في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا يا رسول الله: نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، قال: فيما استطعتن وأطقتن. قالت قلنا: الله ورسوله أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة. (أخرجه الإمام مالك في الموطأ والإمام أحمد في مسنده)
وعلى الرغم من استهانة البعض بمصافحة النساء، إلا أنها تعد من نواقض الوضوء في الإسلام عند فريق من فقهاء المسلمين ومنهم الشافعية الذين حملوا الآية التالية على ظاهرها ولم يؤولوها بالجماع مثل باقي الفقهاء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ…وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى…أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا…(المائدة 6:5)
التلامس في المسيحية
إننا نجد الكهنة يقومون ببعض الممارسات الغريبة التي نتعجب منها وتتنافى مع الأخلاق والقيم التي تدعو إليها جميع الرسالات السماوية. فنجدهم يقومون مثلا بما يسمى بالتعميد والرشم بزيت الميرون ستة وثلاثون مرة وقد تمتد أيديهم إلى أجسام مرتادي الكنائس بدون تمييز بين الرجال والنساء بغرض الصلاة لهم أو مباركتهم أو الدعاء لهم أو حتى السلام عليهم.
وربما حدث ما هو أبعد وأسوء من ذلك، فنسمع بين الحين والحين عن حالات زنا واغتصاب وتحرش في كنائس الشرق والغرب على حد سواء. والسبب الرئيسي في ذلك من وجهة نظرنا المتواضعة هو عدم ضبط العلاقة بين الكاهن ومن يتعامل معهن من النساء في الكنيسة وعدم خضوع علاقته بهن لنفس المعايير التي تخضع لها العلاقة العادية بين الرجل والمرأة المسيحيين على اعتبار أن الكاهن أب لغيره من المسيحيين. ولكن السؤال الآن هو: أليس الكاهن رجلا وذكرا حتى وإن كان أبا؟ أليس رجلا أجنبيا تثار شهوته لدى ملامسة أجساد النساء شأنه شأن غيره من الرجال؟ وإننا نتساءل: من أعطى هذه الرخص الشرعية (الصلاحيات) المطلقة للكهنة؟ هل السيد المسيح هو من أعطاهم هذه الرخص؟
ولكن المسيح قد حرم النظر إلى المرأة الأجنبية، فيكف يسمح بلمسها؟ ألم يقل المسيح ما يلي: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ”. (متى 27:5-29)
كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس النهي عن لمس المرأة. فنحن نقرأ: “وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً” (كورنثوس الأولى 1:7)
وإنّ العهد الجديد وإن تحدث عن التعميد، إلا أنه لم يذكر أن هذا التعميد ينبغي أن يقوم به الكاهن أصلا أو يقوم به حتى للنساء. فلا نجد في العهد الجديد دليلا على جواز تعميد الكاهن للمرأة المسيحية. بل يخبرنا العهد الجديد أن النساء كانت تعتمد بنفسها بدون تدخل من السيد المسيح أو حواريي المسيح أو رسله أو لمسهم لجسدها.
فنحن نقرأ: “وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ، حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ، فَجَلَسْنَا وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجْتَمَعْنَ. فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ، بَيَّاعَةُ أُرْجُوَانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا، مُتَعَبِّدَةٌ للهِ، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَةً: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ، فَادْخُلُوابَيْتِي وَامْكُثُوا». فَأَلْزَمَتْنَا”. (أعمال الرسل 16 :13-15)
وهكذا، فمن أين أتى الكهنة المسيحيون بتعميد النساء ورشمهن:
_________
المراجع:
1-القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- الكتاب المقدس