يعرف الجرجاني الظن بأنه التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك. ولما كان الظن كذلك، اعتبر القطع في الظنيات أو الأمور الاحتمالية من أخطاء التفكير. ولذلك، نجد أن أغلب استخدمات مادة الظن ومشتقاتها في القرآن الكريم استخدمات سلبية.
فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (البقرة 78:2)،
ويقول تعالى:
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ (آل عمران 154:3)،
كما يقول تعالى:
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (الأنعام 116:6)
ولذلك، كان سوء الظن أمرا مذموما في الإسلام إذ أنه يؤدي إلى ضلال الدنيا والآخرة. فسوء الظن قد أدى إلى تكذيب الأنبياء والمرسلين. يقول الله تعالى:
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (الأعراف 66:7)،
ويقول تعالى:
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (هود 27:11)،
كما يقول تعالى:
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (الإسراء 101:17)
ولذلك حث الإسلام على حسن الظن. وإن الله تعالى ونصره هو أولى ما يحسن المرء ظنه به. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”. (متفق عليه)
ولقد نهى الإسلام عن سوء الظن بالله تعالى وذم الظانين بالله تعالى ظن السوء. فيقول الله تعالى:
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (الحج 15:22)،
ويقول تعالى:
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (الأحزاب 10:33)،
كما يقول تعالى:
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (الفتح 6:48)
وقال ابن القيم: (فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السوء) (زاد المعاد)
كما أمر الإسلام المؤمنين أن يحسنوا الظن ببعضهم البعض. يقول الله تعالى:
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (النور 12:24)
ونهى الإسلام عن سوء الظن في المؤمنين وبين القرآن الكريم أن سوء الظن قد يؤدي إلى ارتكاب بعض الآثام بدون علم. يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات 12:49)
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سوء الظن وبين أنه أكذب الحديث. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا. (رواه البخاري)
قال الصنعاني في سبل السلام: (المراد بقوله صلى الله عليه وسلم “إياكم والظنَّ” سوء الظنِّ به تعالى، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين وقوله “فإن الظن أكذب الحديث” سماه حديثًا؛ لأنَّه حديث النفس، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره. وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب، فكان أكذب الحديث، والحديث وارد في حقِّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور)
وقال عمر بن الخطاب: “لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا” (ذكره ابن عبد البر في “التمهيد”)
وقال ابن عباس رضي الله عنه: “ما بلغني عن أخٍ مكروه قطُّ إلا أنزلته إِحدى ثلاث منازل: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان نظيري تفضلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به. هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرض الله واسعة” (ذكره ابن مفلح في “الآداب الشرعية”)
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- صحيح مسلم
4- زاد المعاد لابن القيم
5- سبل السلام للصنعاني
6- التمهيد لابن عبد البر
7- الآداب الشرعية لابن مفلح