إن على المؤمن إزاء ما ينعم الله تعالى به عليه أن يشكر لله نعمه وأن يعبده تعالى حق عبادته. يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة 172:2)
وإن الشكر هو عين العبادة. ولذلك يقول الله تعالى:
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الزمر 66:39)
وكما أن الإنسان يبتغي الرزق عند الله تعالى، فعليه أن يؤدي شكر هذا الرزق.
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت 17:29)
وعلى المرء أن يعي أن من النعم ما هو ابتلاء وامتحان واختبار له. وإن اجتياز هذا الاختبار والنجاح فيه إنما يكون بشكر الله تعالى. يقول الله تعالى حكاية عن سيدنا سليمان:
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (النمل 40:27)
وإن الشكر من صفات الله تعالى نفسه ومنه يشتق اسم من أسمائه الحسنى وهو “الشكور”. يقول الله تعالى:
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (التغابن 17:64)
والشكر في حقه تعالى معناه أنه يجازي الإحسان بالإحسان بل ويضاعفه أضعافا كثيرة. يقول الله تعالى:
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة 158:2)
وإذا كان الله تعالى متصفا بالشكر وهو غير واجب في حقه فهو ينعم ولا ينعم عليه، فالشكر في حق الناس أولى وأوجب.
فالمؤمن مأمور بذكر ربه تعالى في السراء والضراء وشكره وعدم الكفر به ولا بنعمته. يقول الله تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (البقرة 152:2)
وشكر النعمة من أخلاق الأنبياء والصالحين. فلقد أثنى الله تعالى على سيدنا إبراهيم في القرآن الكريم بقوله:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل 16 :120-121)
ونلاحظ في هذه الآية الكريمة فضل شكر النعمة وكيف أن شكر إبراهيم قد أدى إلى اجتبائه وهدايته إلى الطريق المستقيم. كما أثنى الله تعالى على سيدنا نوح بقوله:
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (الإسراء 3:17)
ولقد كان الأنبياء والصالحون عليهم السلام يأمرون بشكر نعمته تعالى. يقول الله تعالى:
وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (لقمان 12:31)
ويقول تعالى:
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (سبأ 13:34)
كما يقول تعالى:
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف 144:7)
ولذلك فقد كانوا عليهم السلام يسألونه تعالى حسن شكر نعمته. فعلى المؤمن أن يتأسى بالأنبياء والمرسلين وأن يشكر الله تعالى على عظيم نعمائه وأن يسأله تعالى حسن شكر نعمته. يقول الله تعالى حكاية عن سيدنا سليمان عليه السلام:
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (النمل 19:27)
وإن الأمر بشكر النعمة ليس قاصرا على أمة الإسلام ولا الأنبياء والصالحين فحسب، وإنما أمرت الأمم السابقة أيضا بشكر نعمته تعالى. ولقد كان أداء هذا الشكر من أسباب استدامة النعمة وبركتها كما أن كفران النعمة وجحودها كان دوما من أسباب زوالها وفنائها. يقول الله تعالى عن مملكة سبأ:
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ 15:34)
ومن شكر الله تعالى أن يشكر المرء من بلغه نعمة الله من الناس كالوالدين. فالمؤمن مأمور بشكر والديه على نعمة الله التي كانا سببا فيها. يقول الله تعالى:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان 14:31)
وإن شكر النعمة من أسباب زيادتها والبركة فيها. يقول الله تعالى:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (إبراهيم 7:14)
كما أن شكر النعمة من أسباب النجاة في الدنيا وفي الآخرة. يقول الله تعالى:
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (القمر 54 :34-35)
ولشكر النعمة في الإسلام فضل عظيم. فلقد وعد الله تعالى الشاكرين له بحسن المثوبة وعظيم الجزاء. يقول الله تعالى:
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران 144:3)
كما يقول تعالى:
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران 145:3)
وعلى الرغم من أن أمر الشكر والكفران ميسر للإنسان، مصداقا لقوله تعالى:
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان 3:76)،
إلا أن الشيطان لا يألوا جهدا لصد العبد عن الشكر وإغرائه بالكفور، حيث يقول الله تعالى:
ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف 17:7)
ولذلك، على المؤمن دائما أن يتحرى شكر الله تعالى على جميع نعمائه ما صغر منها وما كبر وأن يعلم علم اليقين أن النجاة في الشكر والهلكة في الكفر وأن بيده الاختيار وأن الله تعالى يحب له الشكر والنجاة ويكره له الكفر والهلكة. يقول الله تعالى:
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (الزمر 7:39)
كما أن على المؤمن أن يدرك أن الله لا يحب لعباده العذاب ولكن يحب لهم النجاة بشكره تعالى فهو سبحانه شاكر لمن شكره. يقول الله تعالى:
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (النساء 147:4)