الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية

مقارنة بين المنهج الإسلامي والمسيحي في التعامل مع الأوبئة والأمراض

يمتلئ الكتاب المقدس بالنصوص الواردة في علاج المسيح للمرضى على اختلاف أمراضهم، ولا غرو فلقد أيد الله نبيه عيسى -عليه السلام-بمعجزات كثيرة منها إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى بإذنه –سبحانه- وهذه حقيقة أقرها القرآن الكريم أيضا.

جاء في الكتاب المقدس:

“وجاء إليه جموعاً كثيرة منهم عرج ومشلولون وعمي وخرس واخرون كثيرون”. ( متى 15 :30-31).

“كَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ.” (35:9)

“فذاع صيته في سورية كلها. فحمل اليه الناس مرضاهم المعانين من الأمراض والأوجاع على اختلافها, والمسكونين بالشياطين, والمصروعين, والمشلولين, فشفاهم جميعاً فتبعه جموع كبيرة من منطقة الجليل والمدن العشر واورشليم واليهودية وما وراء الأردن”. (متى: 4: 23 –25)

“…فأجابهم يسوع قائلاً: اذهبوا واخبروا يوحنا (المعمدان) بما تسمعون وترون, العمى يبصرون, والعرج يمشون, والبرص يطهرون, والصم يسمعون, والموتى يقومون, والمساكين يبشرون”. (متى 11: 1 – 6) (وانظر لمزيد من تلك الامور :(لوقا 7: 11-17) و (أعمال الرسل 16:5).

وفي انجيل لوقا:

“اندفعت اليه الجموع من كل صوب حاملين مرضاهم وذاع صيته في كل مكان من المنطقة المجاورة” (لوقا4: 37).

لكن المتفحص للكتاب المقدس لا يرى منهجية متكاملة في التعامل مع الأمراض والأسقام مقارنة بما جاء في دين الإسلام، ومن ذلك:

المفهوم الخاطيء في ادعاء المسيحية قدرة الأنبياء والرسل (الأصحاب) على شفاء الأمراض دون الإله:

يزعم المسيحيون أن الله أوكل الشفاء إلى يسوع، وأنه كان يشفي المرضى بإطلاق ويستدلون على ذلك ببعض النصوص منها:

مسيحي يمسك بالصليب ويتضرع لربه أن يوقف الوباء الفيروسي من أجل نجاة العالم!

“فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا…الذي حمل هو نفسه خطايانا على الخشبة…الذي بجلدته شفيتم” (رسالة بطرس الأولى ٢: ٢١ -٢٤).

وجاء القرآن بتصحيح هذا الاعتقاد فبين –على لسان عيسى-أن عيسى إنما فعل ذلك بإذن الله وأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا:

“وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُم أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”. (49:3)

وكالعادة نجد في الكتاب المقدس بعض بقايا الحق التى تضرب آثار الباطل وتزعزعها، ففي قول المسيح للمرأة التى كانت تنزف دما:

 “…ثقي يا إبنة، إيمانك قد شفاك. فشفيت المرأة من تلك الساعة”  (متى: 9:22).

فبين المسيح أن الإيمان وهو اليقين هو طريق الشفاء.

ومن ذلك ما جاء في الكتاب المقدس-تحديدا في العهد القديم- ما يدل على أن الشافي فقط  هو الله:

“بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ.” مزامير 103-3)”

وبين الإسلام الاعتقاد السليم في الاعتقاد في الأنبياء والرسل، وأن الشفاء بيد الله سبحانه، وأن المسيح ما فعل ما فعل إلا بإذن الله.

لكن العجيب أن العهد القديم كثيرا ما يجمع بين الشىء ونقيضه فنرى المسيح يظهر قدرة أصحابه على شفاء المرضى:

“وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السموات. اشفوا مرضى. طهروا برصاً…” (متى ١٠: ٧ ، ٨).

وفي نص آخر يسلبهم هذه الصفة قائلا:

“لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.”(متى 17:18-20)

 المرض بين الإسلام والمسيحية:

جاءت النصوص في الكتاب المقدس متناثرة لا تجمع منهجا شاملا في التعامل مع الأمراض والأوبئة، وركزت على الجانب العقابي في الأمر أكثر من غيره، لكن نجد شريعة الإسلام على الطرف الآخر تعامل مع الأمراض كنوع من الابتلاءات التى تستوجب الاستعداد الروحي والمادي. وها هي بعض الضوابط التى أرساها الإسلام للتعامل مع الأمراض:

الحجر الصحي

أرسى الإسلام مبدأ الحجر الصحي بينما خلا الكتاب المقدس من أي إشارة إلى ذلك وجاء ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه.

وروى البخاري عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.

عدم الاعتقاد في تأثير المرض بنفسه دون قدرة الله –عز وجل-:

كذا في التعامل مع العدوى بينت سنة النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أن العدوى تنتقل بنفسها ولكن بإذن الله.

وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- في رواية أبي هريرة حيث قال:

“لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيجيء البعير الأجرب ، فيدخل فيها ، فيجربها كلها ؟ قال: “فمن أعدى الأول”، وفي رواية : (لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا صفر ، ولا هامة”.

سبب المرض

تطرق الكتاب المقدس صراحة فى العهد القديم إلى بعض أسباب الأمراض، ولكن العهد الجديد يلمح تلميحا.

ففي العهد القديم:

“وإن لم تتأدبوا مني بذلك، بل سلكتم معي بالخلاف…أرسل في وسطكم الوبأ فتدفعون بيد العدو”. (لاويين ٢٦: ٢٣و٢٤).

ونجد أيضا رباطا بينه بالطاعة والمعصية إيجابا وسلبًا:

“فقال إن كنت تسمع لصوت الرب إلهك وتصنع الحق في عينيه وتصغي إلى وصاياه وتحفظ جميع فرائضه، فمرضا ما مما وضعته على المصريين لا أضع عليك. فإني أنا الرب شافيك”.

“وتعبدون الرب إلهكم. فيبارك خبزك وماءك، وأزيل المرض من بينكم” (خروج ٢٣: ٢٥). “فاحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أنا أوصيك اليوم لتعملها … ويرد الرب عنك كل مرض وكل أدواء مصر الرديئة التي عرفتها. لا يضعها عليك بل يجعلها على كل مبغضيك” (تثنية ٧: ١١-١٥).

ألمح المسيح إلى بعض أسباب المرض والتي منها أن البلاء إنما هو من مظاهر قدرة الله فعندما سئل عن سبب وقوع أحدهم في عمى البصر قال:

“لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر اعمال الله فيه” (يوحنا 9: 3). جواباً قصيراً ولكنه عميق المحتوى.

وألمح أيضا انه قد يكون عقوبة وتكفيرا للخطايا:

“فاذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا انتم ايضا بهذه النية. فان من تألم في الجسد كفّ عن الخطية”. (1 بطرس، 4:1)

وهذا أيضا مما جاء به الإسلام، حينما ألمح القرآن إلى أن عقوبات وابتلاءات كثير من الأمم كانت بسبب بعدهم عن منهج الله، ففي معرض الحديث عن بنى إسرائيل يقول الله سبحانه وتعالى:

“وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون”. (168:7).

“فأرسلنا عليهم الطوفان…”(133:7).

كذا يندب الإسلام أتباعه إلى اتباع آداب عديدة في التعامل مع المرض منها:

عدم سبه

ففي “صحيح مسلم”، من حديث جابر رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب – أو أم المسيب – فقال: “ما لك يا أم السائب – أو أم المسيب – تزفزفين”، قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: “لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد”.

الرضا بالقضاء والقدر والصبر واحتساب الاجر

بينت السنة النبوية أن واجب المسلم تجاه البلآءآت من الأمراض وغيرها: الصبر وعدم الجزع، وأن يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يتوانى في الأخذ بأسباب الشفاء، وأن يعظم من النظر إلى الجانب المشرق في أن الأمراض تكفير للسيئات ومجلبة للحسنات.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه” [رواه البخارى ومسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة”.

الأخذ بالأسباب

يحث الإسلام أتباعه على التداوى والأخذ بأسباب الشفاء، بينما خلا الكتاب المقدس من إشارة إلى ذلك ففي الحديث النبوى:

“عن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا ) رواه أحمد (12186) وحسنه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1633) .

وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قَالَتْ الأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ) . رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .”

ومن تلك الضوابط:

لزوم الاستغفار والاكثار من فعل الخير كالصدقات.

خاتمة

وببيان أوجه المقارنة بين التصور الإسلامي للمرض، والبلاء والتصور المسيحي له يظهر شمولية المنهج الإسلامي، وكيف عالج القضية بشمولية منقطعة النظير من حيث: التعامل مع المرض، وعلاجه مع الحفاظ على الثوابت والمعتقدات الإيمانية من الرضا بالقضاء والقدر، والحفاظ على عقيدة التوحيد من خلال عدم الاعتقاد في تأثير المرض بنفسه أو العدوى بعبدا عن القدرة الإلهية.

 أيضا يظهر في المنهج الإسلامي كيف يواجه المرء البلاء بأسلوب يتفق مع كلا من الشرع والعقل، حيث سار الإسلام على قواعد الحجر الصحي وما يلزم من تشريعات النظافة العامة والاغتسال والحث على التداوي.

روابط شقيقة

مواضيع ذات صلة