علامات النبي الموعود في الكتاب المقدس

علامات النبي الموعود

بقي من البشارات بالنبي محمد شيء كثير لا تخفى على من يتأملها

على الرغم من التحريف الذي أصاب الكتاب المقدس والذي أدى إلى ذهاب كثير من البشارات بالنبي محمد -عليه الصلاة والسلام- وإلى طمس معالمها إلا أنه مع ذلك؛ قد بقي من هذه البشارات شيء كثير لا تخفى على من يتأملها، ويعرضها على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجردًا من الهوى والتعصب.

وحديثنا في هذا المقال هو عن نبوءة وردت في الإصحاح الثاني والأربعين من سفر إشعيا النبي من العهد القديم وقبل أن نبدأ حديثنا عن هذه النبوءة نود أن نطرح هذا السؤال:

هل الكتاب المقدس يؤكد على عدم مجيء أي نبي بعد المسيح عليه السلام؟

الجواب:

لنقرأ ما يقوله المسيح في إنجيل متى [7 : 15]

(احترزوا الأَنْبِيَاءَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْكُمْ لاَبِسِينَ ثِيَابَ الْحُمْلانِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنَ الدَّاخِلِ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16 مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ، أَوْ مِنَ الْعُلَّيْقِ تِينٌ؟ 17هَكَذَا، كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً. أَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ، فَإِنَّهَا تُثْمِرُ ثَمَراً رَدِيئاً. 18لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُثْمِرَ الشَّجَرَةُ الْجَيِّدَةُ ثَمَراً رَدِيئاً، وَلاَ الشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ ثَمَراً جَيِّداً. 19وَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تُثْمِرُ ثَمَراً جَيِّداً، تُقْطَعُ وَتُطْرَحُ فِي النَّارِ. 20إِذَنْ مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ).

بالتأمل في هذا النص سنجد أن المسيح عليه السلام يحذر فقط من الأنبياء الكذبة ثم يعطي مواصفات معينة كمقياس للتفريق بينهم وبين الأنبياء الصادقين، ومجرد وضع هذا المقياس يعتبر دليلاً على إمكانية بعث نبي آخر بعد المسيح عليه السلام .. هذا وقد تكرر تحذير المسيح في متى [24: 24] من هؤلاء الأنبياء الكذبة.

والآن لننتقل إلى نبوءة النبي إشعيا الواردة في الإصحاح الثاني والأربعين فنقول وبالله التوفيق:

في الواقع نجد أن (سفر إشعياء _ إصحاح 42) إنما هو وثيقة تتحدى كل من لا يؤمن بمحمد، ذلك أن وصف هذا النبي ومكان هجرته وخصائص قومه وحالهم قبل مجيئة، ثم حالهم بعد ظهوره بينهم، كل ذلك يقود كل من يقرأ هذا الاصحاح مخلصاً مع نفسه إلى التسليم بأن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا على محمد بن عبدالله . فكيف نفهم هذا الإصحاح:

حين نقسم هذا الإصحاح إلى فقرات تتكون كل منها من مجموعة أسطر أو كلمات متناسقة تجمع معاً لتعطي معنى متكاملاً نجد الآتي:

1- تتحدث الفقرة الأولى عن نبي اشتهر بأنه عبد الله ورسوله فهي تقول: ((هو ذا عبدي الذي أعضده. مختاري الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم)). ونلاحظ في هذه الفقرة لفظ (مختاري) وهي من الأسماء التي سمي بها محمد وخص بها إذ أنه يسمى (المصطفى) أي المختار، فمختاري أي مصطفاي. وعبارة: ((وضعت روحي عليه)) تقال لكل نبي، مثال ذلك: ((وكان روح الله على عزريا بن عوديد)) [2 أخ 15: 1] وفي سفر العدد [11 : 29]: ((يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء. إذا جعل الرب روحه عليهم)) ويقول الله سبحانه وتعالى لرسوله في سورة الشورى:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا. (الشورى 52:42)

وتقول النبوءة عن هذا النبي الذي سيأتي: ((فيخرج الحق للأمم)) وهذا دليل على أن النبي الموعود ستكون دعوته عالمية وهذا يناسب قول الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد في سورة الاعراف:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (الأعراف 158:7)

فقوله: ((يا أيها الناس)) شملت الجميع النصارى واليهود والأبيض والأسود والعربي والأعجمي وكل البشر. بينما أنبياء بني إسرائيل كلهم بعثوا لبني اسرائيل بما فيهم المسيح عليه السلام الذي قال في إنجيل متى: ((لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضاله)) و(إلا) هي أداة حصر، حصر بها المسيح رسالته لليهود. (راجع مقال: إثبات أن دعوة المسيح كانت خاصة لشعب اليهود فقط)

2- وتبين الفقرة الثانية أن الشريعة التي جاء بها تكتمل في عهده هو وليس من بعده. ومن الواضح أن المسيحية المعاصرة لم تكتمل في حياة المسيح، فقد دخل عليها الكثير من عمل التلاميذ وعمل رجال الكنيسة والمجامع. لكن النبي الذي تتحدث عنه نبوءة إشعياء تؤكد اكتمال الشريعة في عهده، ويكتمل الدين في وجوده. إن هذا ما يقوله السفر: ((لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر _أي المدن_ شريعته)) ومصداق ذلك قوله تعالى في سورة المائدة:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. (المائدة 3:5)

إنه يبين لنا أن لهذا النبي شريعة جديدة، بينما المعلوم أن المسيح ليس له شريعة، لكنه جاء بمجموعة من الأخلاق يحافظ من خلالها على شريعة موسى ويدعو المؤمنين به لتطبيقها. فقد كان آخر وصايا قوله في إنجيل متى [23 : 1]: ((على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون)).

3 – وتبين الفقرة الثالثة أن الله يعصمه من الناس حتى يكمل رسالته، أي أنه لن يموت أو يقتل حتى يكتمل الدين. إنها تقول: ((أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك نوراً للأمم)) . ومن الواضح أن هذا لا يمكن تطبيقه على المسيح. فقد كل وانكسر سريعاً كما تزعم الأناجيل. وتقول النبوءة عن هذا النبي الموعود: ((لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة)) وهذه إشارة واضحة إلى شعب العرب وغيرهم ممن كانوا يعبدون الأصنام في ظلمات الجهالة والجاهلين، فأصبحوا بنعمة الاسلام يعبدون الله وحده، فخرجوا من سجن الظلمات إلى النور والفلاح.

– وتقول النبوءة في العدد 8: ((أنا الرب هذا أسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات)) إن عبارة: ((ولا تسبيحي للمنحوتات)) تفيد ظهور هذا النبي في مكان فيه المنحوتات ومن المعلوم أن النبي محمد قد ولد في مكة حيث كان فيها 360 صنمًا والعرب في ذلك الزمان كانوا عبدة أصنام أي منحوتات.

4- وتقول النبوءة في العدد 10: ((غنوا للرب أغنية جديدة، تسبيحه من أقصى الأرض)) وهذا يفيد أن التسبيح مختلف وجديد أي من لغة أخرى جديدة فيستحيل أن تكون التسبيحة عبرية أو يونانية، والقرآن والصلاة والتسبيح لغة جديدة إذ هي بالعربية، ويحتمل أن يكون ذلك الأذان الذي كان ولا يزال يشق أجواء الفضاء كل يوم خمس مرات. ولفظ (تسبيحه من أقصى الأرض) يفيد المشرق الأقصى، إذ أن أقصى القدس جزيرة العرب، وأقصى الجزيرة القدس، لذا فقد قال الله تعالى:

سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى (الإسراء 1:17)

أي من الجزيرة إلى أقصى الجزيرة وهي القدس.

5 – وتبين الفقرة الرابعة أن هذا النبي سيخرج من ديار قيدار وتبين في نفس الوقت مكان هجرته، فهي تقول: ((لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من الجبال ليهتفوا ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر.)) [اشعيا : 42 : 11]

وقيدار هذا هو الابن الثاني لإسماعيل بن إبراهيم كما في سفر التكوين [25 : 13] وهو جد قبيلة قريش التي منها محمد رسول الله. وسالع هو جبل سلع في المدينة المنورة، وفي الأصل العبري (سلع)، والترنم والهتاف هو ذلك الأذان الذي كان ولا يزال يشق أجواء الفضاء كل يوم خمس مرات، وذلك التحميد والتكبير في الأعياد وفي أطراف النهار وآناء الليل كانت تهتف به الأفواه الطاهرة من أهل المدينة الطيبة الرابضة بجانب سلع. وصفة البراري لم تكن لغير العرب. فيكون محمد عليه الصلاة والسلام هو المقصود.

ثم إن هذه الفقرة تبين أن في دين هذا النبي الموعود سيكون هتاف من رؤوس الجبال وتسبيح، والإسلام هو الدين الوحيد الذي يحدث فيه هذا. إذ يجتمع سنويا كل الحجيج من ملوك وشعوب ومن مختلف البيئات والأعمار ليدعون الله ويسبحونه من على رؤوس الجبال _في جبل عرفات وفي مزدلفة وجبل منى بمكة_ محل سكنى قيدار، ولم يكن عند المسيحيين حج حتى يقال: ليرفعوا أصواتهم في الجبال.

6 – ثم هناك علامة بارزة تفرق بين هذا النبي وأي نبي آخر قد يقال أنها تتنبأ عنه كالمسيح أو غيره، فهي تبين بوضوح أن أعداءه المنهزمين كانوا عبدة أصنام وأصحاب أوثان. واليهود الذين ظهر فيهم المسيح ما كانوا عبدة أصنام. لقد كانوا يؤمنون بالإله الواحد. إنها تقول: ((يخزى خزيا المتكلمون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا)) [أشعيا 42 : 17]. وهؤلاء هم قريش عبدة الأصنام وغيرهم من الشعوب التي طهرها محمد عليه الصلاة والسلام من هذا الخزي.

7- وتبين الفقرة السابعة أن هذا النبي الموعود به هو رجل حرب. ونجد في أسفار موسى أن رجل الحرب صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، فهذا ما قاله موسى في سفر الخروج [15: 3]: ((الرب رجل الحرب الرب اسمه)). ولقد كان موسى عليه السلام رجل حرب. فلقد أعد قواته للحرب وقاد بني إسرائيل في المعارك حيث انتصر في بعضها وانهزم في البعض الآخر. إن هذا ليس عيباً على الاطلاق إذ إنه من صفات أولي العزم من الأنبياء. فيصف إشعيا هذا النبي الموعود به بأنه رجل حرب ومقدام شجاع ينتصر على أعدائه. إن هذه الفقرة تقول: ((الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب ينهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه)) [أشعيا 42 : 13] . وما كان المسيح عليه الصلاة السلام رجل حرب بل إن هذه كلها صفات محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.

وإذا انتقلنا إلى الإصحاح الحادي والعشرين، العدد 13 – 16 من سفر إشعيا النبي، سنجد هذا النص:

((وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب، فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار)).

هذه النبوءة هي عن بلاد العرب وليست ضد بلاد العرب كما يتوهم البعض، وهي تذكر مكان بدء الوحي على الرسول محمد. وقد كان بدء الوحي في بلاد العرب في الوعر في غار حراء. والوعر هو الجبل (انظر القاموس المحيط ) وقيل أن أرض الحجاز هي الموصوفة بالوعر.

ولفظ : ((وحي من جهة بلاد العرب)) دليل لا يحتاج إلى تأويل. فقد جاء الوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام وهو من بلاد العرب.

وفي إشارة واضحة إلى هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة المنورة بعد أن لاقى المسلمون من التعذيب والأذى والشدة ما لم يلاقيه غيرهم، نجد النبوءة تقول: ((هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزة، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب)) وتيماء أرض معروفة في الجزيرة العربية وهي من أعمال المدينة المنورة.

وفي إشارة أخرى واضحة إلى ما كان بعد الهجرة من نصرة الله تعالى لرسوله محمد على أبطال بني قيدار وجبابرتهم من المشركين، نجد النبوءة تقول: ((فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار وبقية قسي أبطال بني قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم)) وقيدار كما ذكرنا هو الابن الثاني لإسماعيل ابن ابراهيم كما في سفر التكوين [25 : 13] وهو جد قبيلة قريش التي منها محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فلينظر العالمون فيمن تنطبق عليه هذه الصفات

المصدر: alhakekah.com

مواضيع ذات صلة