حقائق تاريخية عجيبة عن العشاء الأخير

يشيع في المسيحية مصطلح “العشاء الأخير” أو “التناول” وتحول إلى شعيرة من الشعائر أو طقسا من الطقوس الكنسية الشائعة فى معظم كنائس العالم.

ويرمز بالعشاء الربانى أو العشاء الأخير –فى المسيحية-إلى عشاء عيسى عليه السلام- مع تلاميذه واقتسامه معهم الخبز والنبيذ –قبيل صلبه-حسب زعمها.

وتشير كثير من المصادر المسيحية إلى أن هذا الحدث يحمل فى طياته إشارات أشار إليها المسيح من أن الخمر هو دمه الذى سيسفك من أجل البشرية وأن الخبز هو جسده الذى صلب وكسر من أجل البشرية ونجاتها.

صار هذا الحدث طقسا من طقوس الكنيسة الأساسية، ويعتبر هذا الحدث شديد الأهمية في المسيحية إذ به أسس يسوع، وفق الإيمان المسيحي، القداس الإلهي والقربان الأقدس. ويدعى يوم استذكار ذلك سنويًا «خميس الأسرار»، لتأسيسه سري الكهنوت والأفخارستيا” .فمن أكل هذا الخبز وشرب هذه الخمر استحال الخبز إلى لحم المسيح والخمر إلى دمه فيحصل امتزاج بين الآكل وبين المسيح وتعاليمه.

“أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ” إنجيل يوحنا: (51:6)

وقد ذكر الكتاب المقدس طرفا منها:

ففى (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 23:11-26):

“لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ”.

وفى إنجيل يوحنا: (51:6):

“أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ».”

“اشربوا منها كلكم، هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، والذي يهرق ويبذل لمغفرة الخطايا وللحياة الأبدية” (متى 26: 27).

ولكن المتأمل جيدا لهذه الروايات الإنجيلية بشأن العشاء الاخير يشعر بأن ثمت زيادات وحبكات درامية أضيفت لهذا الحدث وكانت من خيال القاص نفسه؛ فهذه القصة تبشر بصلب المسيح وقتله وهو ما لم يكن على التحقيق فى أمر المسيح ورفعه، فروايات الصلب لا تصمد بتناقضاتها أمام الحقيقة التى لا مناص منها أن المسيح رفع ولم يقتل ولم يصلب.

 لا يوجد هذا المصطلح “العشاء الأخبر” فى سرد القرآن لقصة المسيح عليه السلام ولكن القرآن يشير فى سورة كاملة إلى حادثة دارت  بين المسيح وتلامذته الحواريين حينما سألوه أن ينزل عليهم مائدة من السماء كآية لهم وقد ساق القرآن القصة على النحو التالى:

“إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿١١٣﴾.قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿١١٤﴾ قَالَ اللَّـهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿١١٥﴾”(112:5-115).

وقد ساق الطبرى-أحد أئمة التفسير- بيان هذه الآيات قائلا:” أي علامةً منك لإجابتك دُعاءنا وإعطائك إيَّانا سُؤلَنا” وقال: “يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم:”اتقوا الله إن كنتم مؤمنين”، في قولكم لي”هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء”: إنا إنما قلنا ذلك، وسألناك أن تسأل لنا ربنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينًا قدرته على كل شيء “وتطمئن قلوبنا”، يقول: وتسكن قلوبنا، وتستقرّ على وحدانيته وقدرته على كل ما شاء وأراد،”ونعلم أن قد صدقتنا”، ونعلم أنك لم تكذبنا في خبرك أنك لله رسول مرسل ونبيّ مبعوث “ونكون عليها”، يقول: ونكون على المائدة “من الشاهدين”، يقول: ممن يشهد أن الله أنزلها حجةً لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء، ولك على صدقكَ في نبوّتك.

أما قولهم “عيدا” قال أبو جعفر الطبرى: “وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال:”معناه: تكون لنا عيدًا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه، ونصلي له فيه، كما يعبد الناس في أعيادهم”، وأما قوله:”لأولنا وآخرنا”، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قولُ من قال:”تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا”، للعلة التي ذكرناها في قوله:”تكون لنا عيدًا”، لأن ذلك هو الأغلب من معناه”.

وأما قوله:”وآية منك”، فقد قال “فإن معناه: وعلامةً وحجة منك يا رب، على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به “وارزقنا وأنت خير الرازقين”، وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضَّل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكَد”.

وقد اختلف أهل التأويل في”المائدة”، هل أنزلت عليهم، أم لا؟ وما كانت؟

قال الطبرى: “وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل”.

فالرواية القرآنية تذكر أن تلامذة عيسى هم الذين طلبوا المائدة من عيسى عليه السلام لا ان عيسى دعاهم إليها كما تزعم الأناجيل. أما عما احتوت فلم يذكر أحد من مفسرى كتاب الله عز وجل أن الله أنزل على نبيه عيسى عليه السلام فى المائدة خمرا فإنها محرمة فى شريعته. كذا إن الرواية الإنجيلية زاد فيها بولس افتراء على المسيح كفرا بواحا وهو ادعائه الربوبية قوله (فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ.)

وحينما نتدبر القرآن الكريم نجده يسوق لنا قصة المائدة فنلمس فيها تعظيم عيسى ابن مريم للرب الله سبحانه وتعالى فهو ينكر على الحواريين طلبهم هذه الآية دليلا على صدقه وتصديقا للرب. ويذكر لنا الله سبحانه وتعالى عقب قصة المائدة ذاك الحوار المهيب الذى دار بينه وبين عيسى عليه السلام:

“وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ  إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ  وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾ قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١٩﴾ لِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٢٠)” (116:5-120).


مراجع

المسيحية، أحمد شلبي.

الموسوعة الحرة ويكبديا.

تفسير الطبرى.

مواضيع ذات صلة