بمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من التناقض في عقيدة الخلاص وتوارث الخطيئة التي تؤمن بها النصرانية، ومن ثم البرهان على بطلان كليهما.
بداية نوضح: أن عقيدة التثليث التي يؤمن بها النصارى، من الاعتقاد بإله مُركّب من الآب والابن والروح القدس كمرتكز لعقيدتها، قد ثبت تناقضها وبطلانها، ومن ثم فإن ما تفرَّع منها، سواءً كانت عقيدة الخلاص أو توارث الخطيئة أو غيرهما، افتراءٌ باطلٌ وكذبٌ محضٌ، لأن ما بُني على باطل فهو أيضًا باطل.
ومثال ذلك: أنه إذا ما أردنا تشييد بناء من 10 طوابق مثلًا، بدون أساس سليم لذلك البناء، فهل يُعتدّ بذلك البناء، حتى وإن ارتفع إلى 10 طوابق؟
الإجابة القطعية: بالطبع لا، لأن ذلك البناء بدون الأساس السليم له لا يلبث إلا أن ينهار، أي أنه في ظاهره ما هو إلا صورة فقط، ولكنه خاوٍ، لا يمكن الانتفاع به لفساد أساسه، لذلك فإنه لا يمكن الانتفاع به.
وكذلك النصرانية، فإنها إذا ما ادّعت وجود إله آب، وإله ابن، وإله متمثل في الروح القدس، فإن ذلك ببساطة يقود إلى إثارة تساؤلات عجيبة توقعها (توقع النصرانية) في امآزق ذات حرج شديد، ومثال ذلك:
هل ما تعتقده النصرانية من زعم بأن الإله عبارة عن 3 أقانيم من إله آب وإله ابن وإله متمثل في الروح القدس، يعني أن السيدة مريم، والدة المسيح (الذي تزعم النصرانية ألوهيته، وأنه الإله الابن)، هي زوجة الله؟!
أم أن والدا المسيح لم يكونا متزوجين؟!
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا، إلى غير ذلك من التساؤلات المنكرة التي تفرض نفسها عند سماع مثل تلك الادّعاءات والافتراءات التي تزعمها النصرانية، لأنه كما أشرنا بإيجاز، فإن الباطل مُؤدّاه إلى باطلٍ مثله، وإلى مثيل تلك التساؤلات التي قد أشرنا إلى إحداها في هذه النقطة.
وإذا ما أردنا أن نوضح تناقض عقيدة الخلاص، والتي تتمثل في صلب المسيح وموته تكفيرًا لذنوب البشر، فإننا نثير تساؤلاً بسيطًا، وهو:
لماذا كان من الضروري أن يصنع الله بشرًا ثم يُصلب ويموت تكفيرًا لذنوب البشر؟
ألم يكن الله قادرًا على أن يُكفّر ذنوب البشر دون الحاجة إلى مثل تلك الأوهام والظنون، التي لا تغني من الحق شيئًا؟
لا سيما وأن الله تعالى هو الذي أعلمنا بأنه هو من يغفر الذنوب ويتوب على العباد إذا ما رجعوا وأنابوا إليه واستغفروه.
لا شك، وأن عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية عقيدة غير مُستساغة فطريًا وعقليًا، بل إنها تفتح الأبواب على مصراعيها لكثير من التساؤلات التي لا إجابة لها، إثر الاختلافات والتناقضات الواقعة فيها، مما يؤكد على: أن مثل تلك العقيدة إنما هي اتباع للأوهام والظنون، وفقًا لما قد أملته الأهواء والشهوات.
ومن العجيب أننا نجد أن المسيح نفسه في الكتاب المقدس للنصرانية، يعلّمهم كيف يُصلّون لله ويعلمهم كيفية الدعاء، حيث قال لهم: «صلوا كذلك، صلوا لله وقولوا: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا» (انجيل متى 6: 14).
والتساؤل المهم:أنه إذا ما علّمهم المسيح ذلك من أجل أن يغفر الله خطاياهم ويكفّر عنهم ذنوبهم، فكيف يكون مات تكفيرًا لخطاياهم؟
وماذا عن كبائر الذنوب والمعاصي والحرمات التي قد ارتكبتها البشرية من بعده (من بعد صلبه وقتله، كما تدّعي النصرانية)؟
فهل تحتاج إلى أن يصلب المسيح وأن يُقتل مرة أخرى، تبعًا لاعتقاد النصرانية بصلبه وقتله تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده؟
أو أننا نحتاج إلى مسيح آخر ينسب إليه الألوهية، ليؤدي نفس الدور، ونفس العصمة التي قد قام بها المسيح في النصرانية، من أن يُضحي بنفسه ليُصلب ويُقتل تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده، في قصة أخرى موهومة لذلك الفداء المزعوم.
فالباطل لا يأتي إلا بباطل مثله، فلو كان ما تدّعيه النصرانية حقًا، لكان احتياج البشرية إلى أن يكون لله المئات، بل الألوف والملايين من الأبناء والأولاد، للتضحية بهم، من أجل تكفير الذنوب والخطايا، لا سيما في هذا الزمان الذي قد انتشرت فيه الرذائل والفواحش والمنكرات جهرًا وعلانية بلا أدنى حياء، بل إن أهل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات يدافعون عنها ويروّجون لها، ويدعون إليها تحت العديد من المسميّات الباطلة، والشعارات الزائفة، كالحرية وغيرها.
فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية علوًا كبيرا.
لذلك، فإن عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية وتؤمن بها، إنما هي عقيدة لا أساس لها من الصحة.
وأيضًا، لتوضيح بطلان عقيدة الخلاص وفكرة توارث الخطيئة، بجلاء، نثير تساؤلاً بسيطًا واضحًا، وهو من أين عرفت النصرانية أن الإنسان يجب عليه أن يدفع ثمنًا لخطاياه وآثامه؟([1]).
فنجد أن النصرانية تلجـأ إلى إجابة ما، لا أدنى مصداقية لها، فليست إلا مجرّد تفسير تتوهمه، كأن تقول أن الله قدوس والإنسان خاطئ، والله لا يمكنه التعامل مع الإنسان مباشرة.
ولا شك أن ذلك الكلام ليس بإجابة على الإطلاق.
وإذا ما أثرنا تساؤلًا آخرًا لتوضيح بطلان مثل تلك الإجابة السابقة، وبيان عدم مصداقيتها، فإننا نتساءل:
من أين الجزم بصحة ما تزعمه النصرانية، حيث لا دليل عليه؟
فإننا لا نجد إجابة، حيث إن المسيح لم يقل في كتاب النصرانية بتضحيته بنفسه من أجل تكفير الذنوب والخطايا لبني البشر، ولم يُعلّمه، ولم يدع أحدًا إلى ذلك القول.
ولكن غير المسيح ممن أسس المسيحية على مثل تلك الأوهام مثل (بولس) هو من قام بالتصريح بمثل ذلك([2])، فكلام المسيح نفسه في كتاب النصرانية لا يتجاوز 10% منه، وعلى الرغم من ذلك تزعم أنه كلام الله.
ونختم هذه النقطة بثلاثة تعليقات لتوضيح التناقض الجليّ بين ما تدعو إليه النصرانية من إدّعاء بفكرة توارث الخطيئة وبين ما ينص عليه كتابها الذي بين يديها، من الرفض لتلك الفكرة المدّعاة، وهي:
أ- أننا نجد أن في (سفر التثنية 24: 16): «لا تقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد، عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل».
وفي (حزقيال 8: 20): «النفس التي تخطئ هي تموت، والابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، برّ البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون».
ومما أشرنا يتضح: أن فكرة توارث الخطيئة إنما هي مرفوضة بما ينص عليه الكتاب المقدس للنصرانية نفسه، ومع ذلك، فإننا نجد أن النصرانية تؤمن بتلك الفكرة الموهومة كعقيدة لها في قصة الفداء المُفتراة، حيث نجدها تقول: «بالخطيئة حملت بنا أمهاتنا»؟!!
وما ذلك الاختلاف والتناقض إلا لما حدث من التحريف والتضييع في الكتاب المقدس للنصرانية، ومن ثم الخلل في معتقدها، وصدق الله تعالى إذ يقول:
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (النساء: 82:4).
ب- ونجد أيضًا، في قضية الفداء المزعوم، التي تزعم أن الإله الابن قدّم نفسه للإهانة والصلب والقتل على أيدي اليهود، من أجل التكفير عن ذنب آدم، حيث أكله من الشجرة المنهي عنها، وتكفير ذنب ذريته من بعده لتوارثهم خطيئته، أنها مغلوطة.
حيث إن طبيعة الابن المزعوم (الذي تدّعي النصرانية أنه ابن الله) إما قابلة للموت أو غير قابلة للموت.
فإذا كانت طبيعته قابلة للموت، إذن فهو ليس بإله، ومن ثم لا تصح الدعوى بأنه إلهًا وفاديًا في نفس الوقت.
وإن كانت طبيعة الابن المزعوم غير قابلة للموت لكونه إلهًا، فلم يقع عليه الموت، ومن ثم لم يكن هناك فداء أو أي من تلك الأوهام.
ج- ونجد أيضًا: أن النصرانية قد جعلت الإله الآب الذي تزعمه إلهًا متشددًا وقاسيًا، لا يصفح ولا يعفو، كما في خطيئة آدم، وعاجزًا عن حلّ مشكلته.
ومن جهة أخرى، فقد جعلت النصرانية الإله الابن الذي تدّعيه مُحبًّا للبشر، وفاديًا لهم، يجود بذاته من أجلهم، على الرغم من أنها (النصرانية) تزعم أنه في الأصل منبثق من الآب.
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرا.
فلقد اشتمل معتقد النصرانية على التناقض في فكرة الألوهية نفسها.
فبينما يوصف الإله بأنه هو الخالق، نجد أنها تنسب إليه الولد.
وهل يكون الولد إذن إلا مخلوقًا، منتفيًا عنه صفة الألوهية!!، مجاراة لزعم النصرانية وادّعاءها، حيث إن الله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا.
وبينما يُقال: إن الإله واحد، نجد أن النصرانية تقول: إنه مكون من ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس، ولا شك أن في ذلك مُناكرة للضروريات، حيث أثبتوا آلهة ثلاثة، ثم جعلوا الآلهة الثلاثة إلهًا واحدًا، ومن جعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة، فقد خرج عن حد المعقول وباهت ضرورياته.
لذلك: فإنه مما سبق نستنتج البرهان القاطع ببطلان فكرة توارث الخطيئة، ومن ثم بطلان عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية.
هدانا الله جميعًا للحق وأرشدنا إليه، آمين.
________________________________________
([1])الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.
([2])الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.
المصدر: .moqarana