مما لا شك فيه أن وضوح العاقبة وجلاء الثواب أو العقاب من أهم الأمور التي تدل على كون الدين حقا ومنزلا من عند الله عز وجل. كما أن العدل في الدينونة والحساب أيضا مما يميز الدين الحق عن الدين الباطل الزائف. فالله تعالى عدل وعادل ولا يكون منه إلا العدل تجاه خلقه، ودينونته وحسابه كذلك عدل لا يشوبه الظلم أو الجور.
وعلى الرغم من أن جميع الرسالات السماوية تناولت العاقبة متمثلة في اليوم الآخر، إلا أننا نجد تباينا في وضوح هذه العاقبة وأحداثها وكذلك في مدى تحري العدل الإلهي بين الناس سواء عند اليهود أو المسيحيين أو المسلمين.
اليوم الآخر عند اليهود
يؤمن اليهود باليوم الآخر ولكننا لا نجد في كتب اليهود علامات أو صفة واضحة لليوم الآخر أو أحداثه. وكل ما نجده حديثا مطولا عن يوم في نهاية الزمان يهلك فيه كل المستكبرين وفاعلي الشر وتشرق فيه شمس البر والشفاء للمتقين. وعن ذلك نقرأ في العهد القديم على سبيل المثال لا الحصر: “فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا. وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ. وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ”. (ملاخي 1:4-3)
ومن المعلوم طبعا أن المتقين الناجين هم بنو إسرائيل وأن الهالكين هم غيرهم من الأمم الأخرى، فعن ذلك نقرأ في العهد القديم: “وَهذِهِ تَكُونُ الضَّرْبَةُ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا الرَّبُّ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ. لَحْمُهُمْ يَذُوبُ وَهُمْ وَاقِفُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَعُيُونُهُمْ تَذُوبُ فِي أَوْقَابِهَا، وَلِسَانُهُمْ يَذُوبُ فِي فَمِهِمْ. وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ اضْطِرَابًا عَظِيمًا مِنَ الرَّبِّ يَحْدُثُ فِيهِمْ، فَيُمْسِكُ الرَّجُلُ بِيَدِ قَرِيبِهِ وَتَعْلُو يَدُهُ عَلَى يَدِ قَرِيبِهِ”.(زكريا 12:14-13)
ويكون بعد ذلك اليوم حساب للأمم ونجاة لبني إسرائيل، ففي العهد القديم نقرأ: “فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ. لأَنَّهُ كَمَا شَرِبْتُمْ عَلَى جَبَلِ قُدْسِي، يَشْرَبُ جَمِيعُ الأُمَمِ دَائِمًا، يَشْرَبُونَ وَيَجْرَعُونَ وَيَكُونُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا. وَأَمَّا جَبَلُ صِهْيَوْنَ فَتَكُونُ عَلَيْهِ نَجَاةٌ، وَيَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيَرِثُ بَيْتُ يَعْقُوبَ مَوَارِيثَهُمْ”. (عوبديا 15-17)
كما يكون بعد ذلك اليوم بعث وثواب وعقاب، ففي العهد القديم نقرأ: “وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ “. (دانيال 1:12)
اليوم الآخر عند المسيحيين
يؤمن المسيحيون باليوم الآخر أو “يوم الدين” ولكن اليوم الآخر عندهم يختلف عنه عند اليهود والمسلمين. فاليوم الآخر عند المسيحيين إيذان بالمجيء الثاني للسيد المسيح. وأما صفة ذلك اليوم، فتظلم الشمس والقمر وتسقط النجوم وتنفخ الملائكة في بوق عظيم، وحينئذ تكون نجاة المسيحيين فيجمعون من الأقصاء إلى الأقصاء، بينما تنوح قبائل الأرض.
فعن علامة اليوم الآخر وصفته في العهد الجديد نقرأ: “وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا”. (متى 29:24-31)
ويؤمن المسيحيون بالحساب والدينونة. فعن ذلك نقرأ في العهد الجديد: “وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ”. (متى 36:12)
اليوم الآخر عند المسلمين
يؤمن المسلمون باليوم الآخر أو “يوم القيامة” ولكن اليوم الآخر عندهم يختلف عنه عند اليهود والمسيحيين. فاليوم الآخر عند المسلمين إيذان بفناء العالم الدنيوي الفاني وبداية العالم الأخروي الباقي، ولهذا اليوم علامات أوردناها في منشور منفصل، وأما صفة ذلك اليوم فتشبه صفته عند المسيحيين حيث ينفخ في الصور وهو كالبوق. ففي القرآن الكريم نقرأ:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (الأنعام 73:6)
ويخسف القمر وتجمع الشمس والقمر، ففي القرآن الكريم نقرأ:
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (القيامة 6:75-10)
وكما هو الحال عند اليهود والمسيحيين، يؤمن المسلمون بالحساب والدينونة، ففي القرآن الكريم نقرأ:
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (البقرة 281:2)
كما نقرأ أيضا:
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (آل عمران 9:3)
ولكن الحساب في الإسلام أعدل وأقسط منه عند اليهود والمسيحيين، فالنجاة والثواب في الإسلام ليسا قاصرين على أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند اليهود والمسيحيين، وإنما النجاة في الإسلام لكل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا من جميع الأمم سواء من أمة النبي محمد أو الأمم السابقة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم. ففي القرآن الكريم نقرأ:
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62:2)
وأخيرا، نلاحظ عدم وضوح صفة اليوم الآخر وعلاماته وعدم العدل فيه عند اليهود والمسيحيين مقارنة به عند المسلمين، حيث يتناول القرآن الكريم بوضوح اليوم الآخر ويؤكد العدالة فيه بخلاف كتب اليهود والمسيحيين.
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- الكتاب المقدس
3- موقع الأنبا تكلا
4- التلمود البابلي
5- المشنا
_________
اقرأ أيضا: