في الجزء الأول، تناولنا اليوم الآخر من حيث علاماته وصفته والحساب فيه عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. أما في هذا الجزء الثاني، سنتناول اليوم الآخر من حيث الجنة والنار عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. فعلى الرغم من إيمان جميع أتباع الرسالات السماوية باليوم الآخر، إلا أن مآل البشر فيه بين الجنة والنار يتباين من رسالة إلى أخرى ويعتريه الغموض ويعوزه العدل في بعض هذه الرسالات.
الجنة والنار عند اليهود
على الرغم من ورود إشارات متفرقة إلى الجنة والنار في العهد القديم، إلا أننا لا نجدهما مقترنين بعضهما ببعض كمآل للصالحين والطالحين في العهد القديم.
أما التلمود، فنجد فيه بعض الإشارات القليلة إلى الجنة والنار كمآل للصالحين والطالحين. فنقرأ فيه على سبيل المثال: “خالق الكون، حكمت بالحق، فجعلت الأخيار عدولا والأشرار ظلَمة، (تباركت) إذ قدّرت النار للأشرار والجنة للأبرار” (المخلوطات – الفصل الثاني)
ويخبرنا التلمود أن النار ستكون مآلا لغير اليهود من الأمم الغافلة عن الله. ففيه نقرأ: “يعود الأشرار إلى النار، تلك الأمم الغافلة عن الله” (السنهدرين (المجلس) – الجزء الثاني (الهاجادا) – الفصل الحادي عشر)
كما يذكر التلمود أن اليهود لن تمسهم النار ولا العصاة منهم لأن أباهم إبراهيم سوف ينقذهم. ففيه نقرأ: “لا يمكن أن تمس نيران جهنم أبدان عصاة إسرائيل؛ لأن إبراهيم الأب ينقذهم إذ رأى أنهم مختونون” (المخلوطات – الفصل الثاني)
وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 80:2)
والغريب في الأمر أن المشنا الذي يعتبر الكتاب المقدس عند اليهود يخلو من ذكر الجنة والنار كمأوى للصالحين والطالحين في اليوم الآخر ولا نجد فيه ما سبق من اختصاص اليهود بالجنة وغيرهم بالنار، ولا نجده إلا في التلمود الذي هو شرح للمشنا.
الجنة والنار عند المسيحيين
كثيرا ما يتكرر ذكر الجنة والنار في العهد الجديد، إلا أننا لا نجد كلمة “الجنة” في الترجمات العربية للعهد الجديد ولكنها موجودة في الأصل اليوناني “οὐρανός” (أورانوس) وتترجم في الترجمات العربية على أنها “السماوات”، وغالبا ما تقترن بكلمة “الملكوت”.
ويخبرنا العهد الجديد أن النار ستكون مثوى للأشرار وفاعلي الإثم، أما الجنة المشار إليها بـ”الملكوت” فستكون مثوى للأبرار والأخيار فيضيئون فيها كالشمس. ففي العهد الجديد نقرأ: “فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ: يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ”. (متى 40:13-43)
كما نقرأ أيضا: «وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». (متى 31:25-46)
وكما هو الحال في التلمود، يخبرنا العهد الجديد أن الجنة ستكون مثوى للمسيحيين فقط، أما غير المسيحيين فستكون النار مثوى لهم. ففي رسائل بولس نقرأ على سبيل المثال: “إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا، وَإِيَّاكُمُ الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ” (تسالونيكي الثانية 6:1-9)
كما نقرأ أيضا: “وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ، وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ”. (يهوذا 21-23)
ففي الأعداد السابقة حضٌ على دعوة غير المسيحيين إلى الإيمان بالسيد المسيح إلها وربا وأن في عدم إيمانهم به إلها وربا الهلكة ودخول النار. ولا يخفى على أحد أنه لا يؤمن بالسيد المسيح ربا إلا المسيحيون، فلا يؤمن اليهود ولا المسلمون بأنه “رب” بمعنى “إله”.
جدير بالذكر أن كلمة “رب” في الأعداد السابقة ليست الترجمة الصحيحة لكلمة “كوريوس” الواردة في النسخة اليونانية الأصلية من الكتاب المقدس، والترجمة الصحيحة هي “سيد”، انقر هنا لمعرفة المزيد.
وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (المائدة 18:5)
والغريب في الأمر أننا لا نجد في الأناجيل الأربعة التي تؤرخ حياة السيد المسيح ما يفيد أن “الجنة” أو “السماوات” أو “ملكوت السماوات” سيكون مأوى فقط للمسيحيين بالمفهوم الحالي وأن النار ستكون مثوى لغير المسيحيين بالمفهوم الحالي.
بل إننا نجد الأناجيل الأربعة تنقل عن السيد المسيح ما يفيد أن من المسيحيين من لن يدخل ملكوت السماوات مثل فاعلي الإثم وتاركي الأعمال الصالحات، فنحن نقرأ: “لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!” (متى 21:7-23)
كما نقرأ: “فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ”. (متى 20:5)
ونقرأ: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ”. (متى 22:5)
ونقرأ أيضا: “خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ”. (متى 8:18-9)
بل إننا نجد الأناجيل الأربعة تنقل عن السيد المسيح وعده بالجنة أو الملكوت لبعض الناس دون أن يشترط الإيمان به إلها وربا لدخول الجنة أو الملكوت، ففي إنجيل متى نقرأ:
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: “طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ”. (متى 1:5-12)
الجنة والنار عند المسلمين
كثيرا ما يتكرر ذكر الجنة والنار في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كعاقبة للبشر في اليوم الآخر وكثيرا ما يقترن الوعد بالجنة بعمل الصالحات بينما يقترن الوعيد بالنار بارتكاب المنكرات في نصوص الكتاب والسنة، فيدخل المؤمنون الصالحون الجنة ويقذف الكافرون الطالحون في النار. ففي القرآن نقرأ:
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 81:2-82)
وغالبا ما يوعد المسلمون الذي هم أتباع النبي محمد بدخول الجنة ويتوعد غير المسلمين الكافرين برسالة النبي محمد ونبوته بالقذف في النار. فنحن نقرأ على سبيل المثال:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 23:2-25)
ومع ذلك، وخلافا للتلمود عند اليهود والعهد الجديد عند المسيحيين، لا يقتصر دخول الجنة على المسلمين الذين هم أتباع النبي محمد فقط ولكن الجنة في الإسلام مأوى لجميع الأمم التي آمنت بالله وأنبيائها وكتبها قبل بعثة النبي محمد كما أنها مأوى لمن آمن بالنبي محمد وبرسالته بعد بعثته صلى الله عليه وسلم. فنقرأ في القرآن الكريم:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف 43:7)
كما نقرأ أيضا:
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (البقرة 111:2-113)
ولكن ببعثة النبي محمد، يصير جميع البشر الذين يسمعون به صلى الله عليه وسلم من أمة الدعوة أي المشمولين بدعوته صلى الله عليه وسلم، فمن آمن به منهم صار من أمة الإجابة، أما من لم يؤمن به فمثواه النار مع الكافرين المكذبين برسل الله وأنبيائه وكتبه.
بل إن من عصاة المسلمين من سيدخل النار، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر من يأكلون أموال اليتامى ظلما، وعنهم نقرأ في القرآن الكريم:
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (النساء 10:4)
ومن هؤلاء أيضا من يأكلون أموال الناس بالباطل، وعنهم نقرأ في القرآن الكريم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (النساء 29:4-30)
ولكن لا يخلد في النار مؤمن بالله وبرسله وكتبه حتى وإن كان عاصيا، فيدخل النار ما شاء الله له أن يدخل ثم يخرج منها فيدخله الله الجنة ولكن يكون فيها طبعا في منزلة دون منازل الصالحين. والأصل في ذلك قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (النساء 48:4)
كما نقرأ أيضا:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (مريم 71:19-72)
والحاصل أن كتب اليهود والمسيحيين اعتراها إما الغموض وعدم الوضوح بالنسبة للجنة والنار كما هو الحال بالنسبة لليهود أو اعتراها الحيف والجور لاختصاصها أتباع رسالة سماوية واحدة بالجنة ونعيمها كما هو الحال بالنسبة للمسيحيين. أما القرآن الكريم، فنجده شديد الوضوح عند تناول الجنة والنار كما أننا نجده شديد العدل عند تبيان أهل الجنة وأهل النار.
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- الكتاب المقدس
3- موقع الأنبا تكلا
4- التلمود البابلي
5- المشنا
_________
اقرأ أيضا:
علامة اليوم الآخر وصفته والحساب عند اليهود والمسيحيين والمسلمين