كثيرا ما تتناول الأديان سواء الرسالات السماوية منها أو حتى الأديان غير السماوية قضية النظافة والطهارة. ومن هذه الأديان الإسلام والمسيحية. وهما رسالتان سماويتان كثيرا ما تحضان على النظافة والتطهر. ولكن للنظافة والطهارة نوعان: معنوي وحسي. ولقد زادت الرسالتان السماويتان وأطالت وأفاضت في التشديد على النوع الأول وهو الطهارة المعنوية.
فعلى سبيل المثال، يعتبر الإسلام الصدقة من أسباب تطهير المسلمين وتزكيتهم، وهذه الطهارة إنما هي طهارة معنوية وليس حسية. وعن ذلك، يقول القرآن الكريم:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة 103:9)
وأما المسيحية، فكثيرا ما تتناول الطهارة الروحية المعنوية، إنها طهارة القلوب بالإيمان وليست طهارة الأعضاء. وعن ذلك نقرأ على سبيل المثال في العهد الجديد: “وَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ، شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا. وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ”. (أعمال الرسل 15 :8-9)
ومع ذلك، فإن النوع الثاني من النظافة وهي النظافة أو الطهارة الحسية تحتاج إلى إيضاح وتبيان وشرح. ونجد أن الإسلام في رسالته الخاتمة قد بين كيفية الطهارة الحسية من جميع نواحيها بإطناب حسبما ورد في الكتاب والسنة. أما المسيحية، فقد خلا عهدها الجديد من أي بيان شاف لكيفية الطهارة الحسية، فلم يركز إلا على الطهارة المعنوية فقط، أما العهد القديم فقد بين بعض نواحي النظافة الحسية الشخصية إلا أن تناوله لهذه القضية لم يرتق لتناول الإسلام لها، فلقد تذبذب العهد القديم من حيث الطهارة بين الإفراط والتفريط، أما الإسلام فيبدو شديد التوازن والاعتدال والشمول في تناوله لمسألة النظافة الشخصية.
ونلاحظ أن التناول الإسلامي يبدو أكثر اهتماما بقضية النظافة الشخصية حتى في غير العبادة، أما العهد القديم فغالبا ما ترتبط النظافة والطهارة فيه بالعبادة فقط في أغلب الأحيان. فلنبحث مسألة النظافة الشخصية بين الإسلام والمسيحية للتعرف على كيفية تناول الإسلام والمسيحية لهذا الموضوع الهام.
التبول والتغوط
التبول والتغوط في الإسلام
للتبول والتغوط آداب في الإسلام، ومن آدابه الاستتار منه والاستنزاه عنه أي تجنب البول أو الغائط النازل والابتعاد عنه والتحرز والتحفظ والتوقي منه والاستبراء أي الاستنجاء بعده، ويستحسن بالماء، وستر العورة في كل ذلك والابتعاد عن عيون الناس قدر الإمكان.
ولقد حذر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ترك تلك الآداب أو الاستهانة بها وبين أن الاستخفاف بهذه الآداب وعدم الاكتراث بها من أسباب العذاب في القبر.
فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا (رواه البخاري)
ومن آداب التبول والتغوط في الإسلام اتقاء واجتناب التبول والتغوط في الطرق أو مواضع الظل أو في الماء سواء الدائم أي الجاري أو الراكد. فعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اتَّقوا اللَّعَّانَينِ، قالوا: وما اللَّعَّانانِ يا رسولَ الله؟ قال: الذي يَتخلَّى في طريقِ النَّاسِ أو في ظلِّهم (رواه مسلم)
وعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه نهى أن يُبالَ في الماءِ الرَّاكِدِ (رواه مسلم)، وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: لا يَبولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائِم ثم يغتَسِل منه (رواه مسلم)
التبول والتغوط في المسيحية
بخلاف الإسلام، لا نجد في المسيحية آدابا واضحة للتبول والتغوط في العهد الجديد. أما العهد القديم، فلا نجد فيه آدابا أيضا بخلاف الأمر بالخروج من المحلة لقضاء الحاجة وحفر حفرة للتبرز فيها ثم ردم هذه الحفرة بعد قضاء الحاجة. ففي العهد القديم نقرأ:
“وَيَكُونُ لَكَ مَوْضِعٌ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ لِتَخْرُجَ إِلَيْهِ خَارِجًا. وَيَكُونُ لَكَ وَتَدٌ مَعَ عُدَّتِكَ لِتَحْفِرَ بِهِ عِنْدَمَا تَجْلِسُ خَارِجًا وَتَرْجِعُ وَتُغَطِّي بِرَازَكَ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكَ، لِكَيْ يُنْقِذَكَ وَيَدْفَعَ أَعْدَاءَكَ أَمَامَكَ. فَلْتَكُنْ مَحَلَّتُكَ مُقَدَّسَةً، لِئَلاَّ يَرَى فِيكَ قَذَرَ شَيْءٍ فَيَرْجِعَ عَنْكَ”. (تثنية 23 :12-14)
الجماع والسوائل الجنسية
الجماع والسوائل الجنسية في الإسلام
في الإسلام، تلزم الطهارة من الجنابة أي بعد الجماع ونزول السوائل الجنسية بصفة عامة سواء بجماع أو باحتلام أو استمناء أو غير ذلك. فيجب الغسل من الجنابة سواء بجماع أو بمطلق الإنزال لقوله تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا (المائدة 6:5)
وعن وجوب الغسل بالجماع تحديدا، قال النبي محمد فيما رواه أبو هريرة: “إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ” (رواه البخاري)
وعن وجوبه بالإنزال، قال النبي محمد فيما رواه عن علي رضي الله عنه: “إِذَا فَضَخْتَ المَاءَ فَاغْتَسِلْ” (رواه أبو داود والنسائي)
وعن أم سلمة أم المؤمنين أنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق. هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء. (رواه البخاري)
الجماع والسوائل الجنسية في المسيحية
في العهد الجديد، لا نجد كيفية واضحة للطهارة الحسية من الجماع والسوائل الجنسية. أما في العهد القديم، فنجده يتناول الطهارة من الجماع، إلا أن في تناوله لهذه الطهارة مبالغة شديدة وانتقاص من شأن الإنسان الذي كرمه الله. فنجد العهد القديم يعتبر الرجل والمرأة بعد الجماع نجسين حتى بعد اغتسالهما وتمتد نجاستهما إلى الأشياء التي وقع عليها الجماع، فيوجب العهد القديم غسلها بالماء. ففي العهد القديم نقرأ:
“وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُل اضْطِجَاعُ زَرْعٍ، يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ، وَكُلُّ ثَوْبٍ وَكُلُّ جِلْدٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ”. (اللاويين 15 :16-18)
وأما السوائل الجنسية، فيعدها العهد القديم نجاسة تنجس صاحبها وكل من حوله وكل ما حوله حتى وإن تطهر بالغسل من هذه النجاسة. وكما هو الحال بالنسبة للنفساء والمستحاضة، تجب الكفارة من نزول السوائل الجنسية. ففي العهد القديم نقرأ:
“وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً: «كَلِّمَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُولاَ لَهُمْ: كُلُّ رَجُل يَكُونُ لَهُ سَيْلٌ مِنْ لَحْمِهِ، فَسَيْلُهُ نَجِسٌ. وَهذِهِ تَكُونُ نَجَاسَتُهُ بِسَيْلِهِ: إِنْ كَانَ لَحْمُهُ يَبْصُقُ سَيْلَهُ، أَوْ يَحْتَبِسُ لَحْمُهُ عَنْ سَيْلِهِ، فَذلِكَ نَجَاسَتُهُ. كُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ السَّيْلُ يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَتَاعٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. وَمَنْ مَسَّ فِرَاشَهُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ جَلَسَ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ذُو السَّيْلِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ مَسَّ لَحْمَ ذِي السَّيْلِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ بَصَقَ ذُو السَّيْلِ عَلَى طَاهِرٍ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ ذُو السَّيْلِ يَكُونُ نَجِسًا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ كُلَّ مَا كَانَ تَحْتَهُ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ، وَمَنْ حَمَلَهُنَّ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُ ذُو السَّيْلِ وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ بِمَاءٍ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي يَمَسُّهُ ذُو السَّيْلِ يُكْسَرُ. وَكُلُّ إِنَاءِ خَشَبٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ. وَإِذَا طَهُرَ ذُو السَّيْلِ مِنْ سَيْلِهِ، يُحْسَبُ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِطُهْرِهِ، وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ حَيٍّ فَيَطْهُرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَيَأْتِي إِلَى أَمَامِ الرَّبِّ، إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيُعْطِيهِمَا لِلْكَاهِنِ، فَيَعْمَلُهُمَا الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِهِ”. (اللاويين 15 :1-15)
الحيض والنفاس والاستحاضة
الحيض والنفاس والاستحاضة في الإسلام
للحيض والنفاس آداب في الإسلام، وأول هذه الآداب امتناع الأزواج عن جماع زوجاتهم خلال فترة الحيض أو النفاس. وعن ذلك نقرأ في القرآن الكريم:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222:2)
وللتطهر من الحيض والنفاس آداب أيضا في الإسلام، فعلى المرأة بعد انقطاع حيضها أو نفاسها الاغتسال أي غسل جميع بدنها وغسل فرجها ثلاثا ثم تتبع أثر الدم وتطييب فرجها بالمسك. فعن عائشة أن امرأة من الأنصار قالت للنبي: كيف أغتسل من المحيض قال خذي فرصة ممسكة فتوضئي ثلاثا ثم إن النبي استحيا فأعرض بوجهه أو قال توضئي بها فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي. (رواه البخاري)
وفي رواية أخرى عن عائشة أن امرأة سألت النبي عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت كيف أتطهر قال تطهري بها قالت كيف قال سبحان الله تطهري فاجتبذتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم. (رواه البخاري)
وإن الحيض والنفاس في الإسلام ليسا من الأمور التي تدعو إلى التنفير من المرأة أو هجرها أو عزلها، بل تقتضي التخفيف عن المرأة ومواساتها والتلطف بها فلا ينهى الإسلام إلا عن جماعها المنطوي على الإيلاج في الفرج فقط ويبيح ما دون ذلك. ففي كتاب الحيض بصحيح البخاري، نجد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يواسي زوجاته عند الحيض والنفاس ويتلطف بهن ويتعامل معهن تعاملا طبيعيا، فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في حجر إحداهن وهي حائض، وكن يغسلن رأسه الشريف، وكان يضطجع معهن ويباشرهن بدون إيلاج.
وللحائض والنفساء أحكام مخففة في الإسلام، فللحائض والنفساء ترك صوم أيام حيضها أو نفاسها في رمضان وقضاؤه بعد رمضان كما أن لهما ترك الصلاة بدون قضاء، ويسن لهما شهود صلاة العيدين.
أما الاستحاضة، فليس عليها سوى التطهر بالوضوء لكل صلاة في غير وقت حيضها المعتاد. فعن عائشة أنها قال: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة، فقال رسول الله: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي (رواه البخاري)
الحيض والنفاس والاستحاضة في المسيحية
في العهد الجديد، لا نجد آدابا تتبعها المرأة في فترة الحيض والنفاس. أما العهد القديم، فنجد أنه يعد الحيض والنفاس جرائم شنيعة يعاقب عليها المرأة، فنلاحظ أن العهد القديم يعد المرأة الحائض نجسة وأن من يمسها يصير نجسا مثلها وكل ما تجلس أو تضطجع عليه يكون نجسا وكل من مس فراشها يتنجس وعليه أن يغتسل ويغسل ثيابه إلى آخر العقوبات. ففي العهد القديم نقرأ:
“وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا”. (لاويين 19:15-24)
أما النفاس، فالعهد القديم يعد المرأة النفساء نجسة كالحائض، فلا تمس أي شيء مقدس ولا تذهب إلى المقدس، وتزداد نجاسة المرأة النفساء إذا ولدت أنثى، ولأن النفاس جريمة في نظر العهد القديم، فالمرأة النفساء بحاجة إلى التكفير عنه. ففي العهد القديم نقرأ:
وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. وَمَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لأَجْلِ ابْنٍ أَوِ ابْنَةٍ، تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هذِهِ شَرِيعَةُ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ». (اللاويين 1:12-8)
أما الاستحاضة، فهي في العهد القديم كالحيض من حيث نجاسة المرأة المستحاضة وحاجتها إلى التكفير عن جريمة لم ترتكبها، إلا أن معاناة المستحاضة أطول وأقسى من النفساء. ففي العهد القديم نقرأ:
«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسُبُ، لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا. فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ».
«هذِهِ شَرِيعَةُ ذِي السَّيْلِ، وَالَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا، وَالْعَلِيلَةِ فِي طَمْثِهَا، وَالسَّائِلِ سَيْلُهُ: الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالرَّجُلِ الَّذِي يَضْطَجِعُ مَعَ نَجِسَةٍ». (لاويين 25:15-33)
الختان
الختان في الإسلام
إن الختان من سنن الفطرة في الإسلام. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الفطرة خمس: الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار” (رواه البخاري ومسلم)
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يختتنون، ففي صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك”
الختان في المسيحية
يذكر العهد القديم أن الله تعالى قد أخذ عهدا على سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يختتن هو ونسله من بعده. ففي العهد القديم نقرأ: وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيم: «وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي، أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ. هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي». (التكوين 17 :9-14)
ويخبرنا العهد الجديد أن الختان كان من سنن الأنبياء، فكان الأنبياء عليهم السلام يختتنون وفقا للعهد الجديد. فنلاحظ أن النبي يحيى أو يوحنا المعمدان قد ختن، فنحن نقرأ: “وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا”. (لوقا 59:1)، كما يخبرنا العهد الجديد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد أعطى عهد الختان وأنه ختن ابنه النبي إسحق عليه السلام. ففي العهد الجديد نقرأ: “وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ”. (أعمال الرسل 8:7)
ومع ذلك، يركز العهد الجديد على ما أسماه ختان القلب وليس الختان الحسي. ففي العهد الجديد نقرأ: “فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! إِذًا إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَانًا؟ وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟ لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا، بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ”. (2 رومية 25:2-29)
نظافة الفم
نظافة الفم في الإسلام
يتعهد المسلم فمه بالنظافة خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل، فيتمضمض في الوضوء لأداء كل صلاة من الصلوات المفروضة. عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل كل رجل ثلاثا ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا وقال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه (رواه البخاري)
ولقد أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتنظيف الفم ونهى عن الإهمال في نظافته، حتى كاد النبي صلى الله عليه وسلم يفترض نظافة الفم لصحة الصلاة إلا أنه خشي من أن يشق على أمته. ولقد كان السواك وهو عود من شجر الأراك أو غيره أداة تنظيف الفم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك، فقد كاد يأمر بتنظيف الفم باستخدامه عند كل صلاة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة” (رواه البخاري)
ولقد قالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “السواك مطهرة للفم مرضاة للرب” (رواه البخاري)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائم التنظيف لأسنانه بالسواك حتى عند دخوله بيته. فلقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالت: “كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك” (رواه مسلم)
وكان صلى الله عليه وسلم ينظف أسنانه حتى إذا قام من نومه ليلا. فعن حذيفة قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك” (رواه البخاري)
ولقد نهى النبي مَن أكل ثوما أو غيره من المأكولات كريهة الرائحة عن دخول المساجد حتى لا يتأذى الناس من رائحة فمه. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا (رواه البخاري)
نظافة الفم في المسيحية
لا نجد في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد اهتماما يذكر بنظافة الفم الحسية. وإنما يعنى الكتاب المقدس لاسيما في عهده الجديد بنظافة الفم وطهارته المعنوية وليس الحسية. ففي العهد الجديد نقرأ على لسان السيد المسيح: “لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ”. (متى 11:15)، كما نقرأ أيضا: “أَلاَ تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ؟ وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ” (متى 15 :17-18)
نظافة شعر البدن والأظافر
نظافة شعر البدن والأظافر في الإسلام
بالنسبة لشعر الرأس، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإكرام الشعر أي تنظيفه والعناية به. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ” (رواه أبو داود)
ولقد نهى النبي محمد عن إهمال نظافة الشعر والعناية به. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: “أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ” (رواه أحمد وأبو داود والنسائي)
وعن عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ اخْرُجْ كَأَنَّهُ يَعْنِي إِصْلَاحَ شَعَرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ” (رواه مالك في الموطأ)
وأما شعر الشارب فقد أمر النبي بقصه أي تقصيره، وأما شعر العانة فقد أمر النبي بحلقه فيما يعرف بالاستحداد، وأما شعر الإبط فقد أمر النبي بنتفه، وأما الأظافر، فقد أمر النبي بتقليمها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الفطرة خمس: الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار” (رواه البخاري ومسلم)
ومن فرط العناية بنظافة شعر البدن والأظافر في الإسلام أن حدد النبي محمد حدا أقصى لقص هذا الشعر أو حلقه وتقليم الأظافر، فلا يحل للمسلم أن يترك شعر إبطه أو عانته دون حلق أو شاربه دون قص أو أظافره دون تقليم لأكثر من أربعين يوما. فقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال : “وُقّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة “. (رواه مسلم)
نظافة الشعر والأظافر في المسيحية
إننا لا نجد أوامر صريحة بتنظيف الشعر والأظافر في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وكل ما ورد في الكتاب المقدس بخصوص الشعر إما للأمر بتربية الشعر أو حلقه دون الحديث عن نظافته أو الاهتمام به. فعلى سبيل المثال نقرأ عن تربية الشعر في الكتاب المقدس: “كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ”. (العدد 5:6)
وعن حلق الشعر نقرأ: “وَيَحْلِقُ النَّذِيرُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، وَيَأْخُذُ شَعْرَ رَأْسِ انْتِذَارِهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى النَّارِ الَّتِي تَحْتَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ”. (العدد 18:6)
نظافة الثياب
نظافة الثياب في الإسلام
يأمر الإسلام بتطهير الثياب ويشترطه لصحة الصلاة. فنحن نقرأ في القرآن الكريم:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر 4:74)
أخرج ابن المنذر في سبب نزول هذه الآية من طريق زيد بن مرثد قال: “ألقي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جزور (جمل) فنزلت” (تفسير القرآن العظيم لابن كثير)
ولقد حض النبي محمد معاشر المسلمين على أن يرتدوا من الملابس أحسنها وأجملها. فلقد روى ابن مسعود أن النبي: لاَ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْـجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْـحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ (رواه مسلم)
نظافة الثياب في المسيحية
في العهد الجديد، لا نجد أوامر صريحة بتطهير الثياب؛ ولكن في العهد القديم، يتكرر الأمر بتطهير الثياب. فعلى سبيل المثال، نقرأ في العهد القديم: “فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اذْهَبْ إِلَى الشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ الْيَوْمَ وَغَدًا، وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ” (الخروج 10:19)، ونقرأ: “وَكُلُّ ثَوْبٍ، وَكُلُّ مَتَاعٍ مِنْ جِلْدٍ، وَكُلُّ مَصْنُوعٍ مِنْ شَعْرِ مَعْزٍ، وَكُلُّ مَتَاعٍ مِنْ خَشَبٍ، تُطَهِّرُونَهُ”. (عدد 20:31)، كما نقرأ أيضا: “وَتَغْسِلُونَ ثِيَابَكُمْ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ فَتَكُونُونَ طَاهِرِينَ، وَبَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُونَ الْمَحَلَّةَ”. (عدد 24:31)
الاستحمام الدوري
الاستحمام الدوري في الإسلام
على الرغم من وجوب الغسل لأسباب كثيرة في الإسلام ومنها الجماع والاحتلام ونزول المني والحيض والنفاس واستحبابه يوم الجمعة وأيام العيدين، إلا أن الغسل المطلوب للنظافة مازال واجبا إذا مرت سبعة أيام بدون اغتسال، فحينئذ يجب الغسل من باب النظافة الشخصية. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده” (رواه البخاري)
الاستحمام الدوري في المسيحية
في العهد الجديد، على الرغم من شيوع الأمر بالطهارة والتطهر إلا أنهما لا يقصد بهما الطهارة أو التطهر الحسيين وإنما المعنويين.
أما في العهد القديم، فيتكرر الأمر بالطهارة الحسية بمعنى الاستحمام من النجاسة أو للعبادة، ولكن بدون تحديد حد أدنى لهذه الطهارة التي هي من باب النظافة الشخصية.
التطيب بالطيب (العطر)
التطيب بالطيب في الإسلام
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والتطيب في جميع أحواله. فكان النبي محمد يتطيب بعد الغسل، فعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر فقال بهما على وسط رأسه (رواه البخاري)
ولقد أوصى النبي بالتطيب عند التوجه إلى صلاة الجمعة. فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه (رواه البخاري)
وكان النبي يتطيب ويبالغ في التطيب عند الإحرام. فعن عائشة قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته (رواه البخاري)، وفي روايتين أخريين عند البخاري أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد”، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم”.
التطيب بالطيب في المسيحية
في العهد الجديد، نجد أن السيد المسيح كان يحب الطيب والتطيب. ففيه نقرأ هذه القصة المشهورة: وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا! لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا». (متى 6:26-13)
كما نقرأ أيضا هذه القصة: “بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً”. (لوقا 46:7-47)
أما العهد القديم، فيخبرنا أن العطر كان يستخدم في المسح. فنحن نقرأ: “وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: «وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ: مُرًّا قَاطِرًا خَمْسَ مِئَةِ شَاقِل، وَقِرْفَةً عَطِرَةً نِصْفَ ذلِكَ: مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَسَلِيخَةً خَمْسَ مِئَةٍ بِشَاقِلِ الْقُدْسِ، وَمِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ هِينًا. وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ”. (الخروج 30 :22-25)
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
3- صحيح البخاري
4- صحيح مسلم
5- سنن أبي داود
6- سنن النسائي
7- الكتاب المقدس
8- موقع الأنبا تكلا