اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

الله هو الغفور (الغفار – الغافر)

الغفور

لما كان الله متصفا بأنه “الغفور” و”الغفار” و”الغافر”، دل ذلك على سعة مغفرته نظرا لاشتقاق ثلاثة من أسمائه من مادة “غفر”.

من أسماء الله وصفاته “الغفور” و”الغفار” و”الغافر”، فمما لا شك فيه أن إله هذا الكون هو الوحيد القادر على مغفرة ذنوب خلقه والمستحق لوصف “الغفور” و”الغفار” و”الغافر”. فهو وحده الديان المجازي لكل نفس بما عملت، المحصي عليها ما قدمت وأخرت. وليس هناك غفور ولا غفار ولا غافر إلا الله الواحد القهار.

الغفور في الإسلام

يكثر وصف إله هذا الكون بـ”الغفور” في القرآن الكريم. فنحن نقرأ على سبيل المثال:

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 218:2)

كما نقرأ:

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران 31:3)

كما نقرأ أيضا:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران 129:3)

كما يوصف الإله في القرآن الكريم بـ”الغفار”. فنحن نقرأ على سبيل المثال:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (طه 82:20)

كما نقرأ:

قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (ص 38 :65-66)

كما نقرأ أيضا:

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (الزمر 39 :4-5)

ويوصف الإله في القرآن الكريم بـ”الغافر”. فنحن نقرأ على سبيل المثال:

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (غافر 40 :2-3)

وكثيرا ما يرد الأمر بالاستغفار في القرآن الكريم، ولذلك فليس على المسلم بعد ارتكاب الذنب إلا التوجه إلى الله تعالى بالتوبة النصوح والاستغفار أي طلب المغفرة. ولا يحتاج المسلم لشيء بعد ذلك، ولا ييأس من رحمة الله ولا يخجل من طلب المغفرة إذ أمره الله نفسه بها، ولا حاجة في الإسلام لسفك دم برئ حتى تتحقق المغفرة.

فعن الأمر بالاستغفار واقتران هذا الأمر باسم الله “الغفور” و”الغفار”، نقرأ في القرآن الكريم على سبيل المثال:

وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء 106:4)

كما نقرأ:

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (نوح 71:10)

وكثيرا ما يحض القرآن الكريم على الاستغفار والتوبة ويرغّب فيهما وغالبا ما يرتبط هذا الترغيب باسم الله “الغفور”، فنحن نقرأ على سبيل المثال:

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء 110:4)

كما نقرأ:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 5 :73-74)

كما نقرأ أيضا:

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 39:5)

ولما كان الله عز وجل متصفا بأنه “الغفور” و”الغفار” و”الغافر”، دل ذلك على سعة مغفرته تعالى نظرا لاشتقاق ثلاثة من أسمائه من مادة “غفر”. ولذلك، كانت مغفرته تعالى مغفرة مطلقة لا تغادر ذنبا ولا إثما إلا محته. ولذلك بشر الله تعالى المسرفين على أنفسهم برحمة الله ومغفرته اللاتين لا حدود لهما. فنحن نقرأ في القرآن الكريم:

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر 53:39)

بل إن رحمة الله تعالى ومغفرته في الإسلام لا تقتصر على محو الذنوب وإنما تتجاوز ذلك بتحويلها إلى حسنات. فنحن نقرأ:

وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان 25 :68-70)

الغفور في المسيحية

إن مفهوم المغفرة المطلقة التي لا تحتاج فداء ولا افتداء ولا تغادر خطيئة ولا إثما دون إرث أو توارث مفهوم غائب تماما عن المسيحية، فعلى الرغم من اتصاف الإله بأنه “غافر الإثم” في العهد القديم، إلا أن مغفرته ليست مطلقة ولا تمحو الخطيئة بل يتوارثها الجيل بعد الجيل.

ففي العهد القديم نقرأ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ». (الخروج 34 :6-7)

كما نقرأ أيضا: “الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ، لكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ. بَلْ يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ”. (العدد 18:14)

وفي العهد الجديد، أحيانا تنسب المغفرة إلى السيد المسيح. ومع ذلك، وبالرغم من اتخاذ السيد المسيح إلها في المسيحية، إلا أننا نجده حينما علم حوارييه الصلاة لله (المسمى بـ”الآب”) علمهم أن يطلبوا المغفرة من الله عز وجل. فنحن نقرأ: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ” (متى 9:6-13)

وعلى الرغم من ادعاء المسيحيين أن بيد السيد المسيح أن يغفر الذنوب والخطايا، إلا أنه بين بنفسه أن غفران الخطايا بيد الله عز وجل وأن الله قد آتاه سلطانا لمغفرة هذه الخطايا. فنحن نقرأ: «وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. فَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَانًا مِثْلَ هذَا». (متى 9 :6-8)

فالآيات السابقة تدل على أن السيد المسيح لم تكن لديه قدرة ذاتية على مغفرة الخطايا، وإنما كان ذلك سلطانا قد أعطاه الله إياه. ويخبرنا الكتاب المقدس أن السيد المسيح نفسه قد طلب من الله عز وجل أن يغفر لصالبيه. فنحن نقرأ: وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى «جُمْجُمَةَ» صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُذْنِبَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا. (لوقا 23 :33-34)

فإذا كان لدى السيد المسيح قدرة ذاتية على مغفرة الخطايا، فلماذا طلب لهم المغفرة من الله؟ لماذا لم يغفر لهم هو؟

ولما كان السيد المسيح ليس لديه قدرة ذاتية على مغفرة الخطايا، فلا يعقل أن يكون إلها، فالإله الحق هو الغفور والغفار، أي القادر على مغفرة الخطايا بقدرة ذاتية لديه، أما من لم تكن لديه قدرة ذاتية على مغفرة الخطايا واحتاج إلى قدرة غيره لمغفرة هذه الخطايا، فليس بإله.

وأخيرا، وعلى الرغم من اتصاف الله بأنه “الغفور” و”الغافر” في المسيحية والإسلام، إلا أن مغفرته في الإسلام مطلقة ولا تحتاج فداء ولا تغادر توارثا للخطيئة. أما مغفرته في المسيحية، فمغفرة محدودة مقيدة فلا تمحو الخطيئة وإنما يتوارثها الجيل بعد الجيل، ويشترك فيها المسيح مع الله وإن كان الله هو من يمنحه سلطانا لمغفرتها.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- الكتاب المقدس

مواضيع ذات صلة