اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

الله هو الرحمن الرحيم (التواب)

من أسماء الله وصفاته “الرحمن” و”الرحيم” و”التواب”. فإن الإنسان ميال بطبعه إلى الخطأ والخطيئة، فهو خطّاء وغير معصوم. ولما كان الإنسان كذلك، كان محتاجا إلى إله رحمن رحيم تواب حتى يرحمه إذا أخطأ ويمنحه الأمل في التوبة والأوبة وحتى يحث الناس على الرحمة والتراحم فيما بينهم، وبذلك يستقيم أمرا الدنيا والآخرة، بحيث يتراحم الناس في الدنيا ويرحمهم ربهم في الآخرة.

الرحمن

إذا تعذر على الله رحمة عباده فكيف ينتظر منهم عمل الصالحات ومنها التحلي بالرحمة إذا عجز هو عن إبدائها؟

الرحمن في الإسلام

إن الله تعالى يوصف في الإسلام بأنه “الرحمن الرحيم”، و”الرحمن الرحيم” من السبع المثاني التي لا يصح لمسلم صلاة بدونها. فعلى كل مسلم أن يقرأها في كل ركعة من صلوات الفريضة الخمس، أي أنه على المسلم أن يقرأ “الرحمن الرحيم” سبعة عشر مرة على الأقل في اليوم والليلة. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على استحضار معنى الرحمة في القلوب بين الحين والحين. فنحن نقرأ في فاتحة الكتاب:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ … (الفاتحة 1: 2-3)

ويتكرر وصف الله بأنه “الرحمن” و”الرحيم” في مواضع عديدة في القرآن الكريم، فنحن نقرأ:

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (البقرة 163:2)

كما نقرأ:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران 129:3)

وتتجلى سعة رحمة الله في قصة معصية آدم وحواء وأكلهما من الشجرة، فنجد أن آدم لم يحتج إلى شيء بعد معصية الله إلا إلى التوبة النصوح. فلما تاب توبة نصوحا، تاب الله عليه ورحمه رحمة واسعة. فنحن نقرأ:

فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 37:2)

وإننا لا نجد في الإسلام أثرا لمعصية آدم وحواء بعد توبتهما. فإذا عصى المسلم ربه، فما عليه سوى أن يسارع بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل واستغفاره، فقد وعد سبحانه وتعالى بمغفرة الذنوب والخطايا وقبول التوبة. فنحن نقرأ في القرآن الكريم:

وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 199:2)

كما نقرأ:

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (النساء 64:4)

كما نقرأ أيضا:

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء 110:4)

ونقرأ:

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 34:5)

كما نقرأ:

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 39:5)

وإن من أكبر الخطايا الكفر بالله وإشراك غيره معه في العبادة. وحتى هذه الخطيئة يغفرها الله عز وجل ويرحم مرتكبها ويتوب عليه. فنحن نقرأ:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 5 :73-74)

كما أن من أكبر الخطايا أيضا كتمان ما أنزله الله إلى خلقه. ولقد كان ذلك من ديدن علماء أهل الكتاب من الأحبار والرهبان. فلقد كانوا يحرفون ويبدلون ويغيرون ويبدون ويكتمون. وعلى الرغم من عظم جرمهم وبشاعة ذنبهم إلا أن الله تعالى قد وعدهم بالرحمة والمغفرة حال توبتهم وإبدائهم ما كتموه من كلام الله. فنحن نقرأ:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 2 :159-160)

بل إننا نجد أن المسلم إذا اضطر إلى ارتكاب معصية معينة غير عامد ولا متعمد، رحمه الله تعالى وغفر له وتاب عليه. يقول الله تعالى:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 173:2)

كما نقرأ:

فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 3:5)

الرحمن في المسيحية

يوصف الإله في المسيحية بالرحمة وإليه تنسب في الكتاب المقدس، فنحن نقرأ: فَقَالَتْ مَرْيَمُ:” تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ” (لوقا 1 :46-50)

وكثيرا ما يحض الكتاب المقدس على الرحمة ويرغّب فيها ويدعو إليها ويحث عليها، فنحن نقرأ: “طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ” (متى 7:5)، كما نقرأ: “فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ” (لوقا 36:6)

وعلى الرغم من ترغيب الكتاب المقدس في الرحمة، فإننا نجد أن تصور الكتاب المقدس لإله الكون أبعد ما يكون عن الرحمة. فإننا نلاحظ في الكتاب المقدس وفي العهد القديم منه أن آدم حين عصى ربه لم يرحمه الله وإنما توعده ولعن الأرض بسببه وأوقع بينه وبين زوجته حواء العداوة والبغضاء. فنقرأ في الكتاب المقدس:

وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ». وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ». (التكوين 16:3-19)

كما نجد أن الكتاب المقدس في عهده الجديد قد رتب على معصية آدم خطيئة لا يمكن غفرانها. وجعل العهد الجديد الخلاص من هذه الخطيئة على يد كائن نصفه إنسان ونصفه إله نظرا لتعذر مغفرة هذه الخطيئة، حيث تحتم قتل هذا الكائن ليتحمل هذه الخطيئة عن البشر وبذلك يتوب الله تعالى على خلقه المخطئين.

فنقرأ الآيات التالية في العهد الجديد: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. َلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ…” (يوحنا 19-14:3)

ومما سبق يتبين أن التصور الإسلامي للإله أكثر قبولا واستساغة لأننا نجده يراعي طبيعة البشر الخاطئة. فلما كان الإنسان بحكم طبيعته ميالا للخطيئة، جعل الله تعالى له مخرجا ومنجىً من هذه الخطيئة من خلال التوبة والإنابة إليه، ولم يرتب الله تعالى على خطيئة آدم وحواء ذنبا تتوارثه ذريتهما جيلا بعد جيل، وإنما رحمهما وتاب عليهما ووعد بمغفرة ذنوب ذريتهما وقبول توبتهم إذا تابوا إليه توبة نصوحا. وبذلك، رحم الله تعالى آدم وحواء وذريتهما وحض على التراحم فيما بينهم، وبذلك نال آدم وحواء والتائبون من ذريتهما خيرا الدنيا والآخرة: رحمة وتراحما في الدنيا، ومغفرة ونعيما في الآخرة.

أما التصور المسيحي للإله، فهو تصور مردود غير مقبول لأن الله على حد زعم المسيحيين لم يراع الطبيعة الخاطئة للبشرية. فكيف لا يرحم الله آدم وحواء وذريتهما ويغفر خطاياهم وقد خلقهم خطائين؟ فما المتوقع من نفس خاطئة سوى الخطيئة؟ وهل من العدل عدم رحمتهم عند ارتكاب خطيئة جبلوا على ارتكابها؟ وإذا تعذر على الله رحمة عباده وإذا لم يكن منه سوى الوقيعة بينهم، فكيف ينتظر الله من عباده عمل الصالحات ومنها التحلي بالرحمة إذا عجز هو عن إبدائها؟

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- الكتاب المقدس

 

اقرأ أيضا:

خلق الرحمة بين اليهودية والمسيحية والإسلام

مواضيع ذات صلة