في ظل الذعر العالمي المتنامي بسبب الوباء COVID-19 في الوقت الحاضر، والتنافس العالمي في الخروج بمباديء تقلل من انتشاره، يسرد هذا المقال كتابات للدكتور كريغ كونسيدي Craig Considine، وهو كاثوليكي غير مسلم وباحث وأستاذ ومتحدث عالمي وبروفيسور قسم علم الاجتماع في جامعة رايس، مؤلف العديد من الكتب في الأديان وخاصة الإسلام منها: “إنسانية محمد: وجهة نظر مسيحية، والإسلام في أمريكا: استكشاف القضايا، والعديد من الكتابات الأخرى، حييث يقدم المقاربة الإسلامية لمكافحة الأوبئة ونصيحة النبي محمد في مواجهة المرض.
أوضح د كونسيدين أن دين الإسلام يمكن أن يقدم أكثر الأساليب الدينية منطقية لمكافحة الأوبئة، ويرى أن نهج النبي محمد –صلى الله عليه وسلم –لمواجهة الأوبئة يمكن أن يكون مفيدًا لمكافحة جائحة جديدة كـ COVID-19، حيث تضمنت تعاليمه إشارة جلية إلى النظافة الصحية الجيدة والحجر الصحي، أو ممارسة العزلة عن الآخرين لمنع انتشار الأمراض المعدية، وهو ما يتوافق مع أكثر الإجراءات الاحترازية لاحتواء الأوبئة أمثال COVID-19.
نهج مثالي لمكافحة الأوبئة
يقول الدكتور كونسيدين عن تعاليم النبي محمد النبيلة التي يمكن أن تضع نظرية مثالية لمحاربة الأوبئة:
“في حين أنه لم يكن بأي حال من الأحوال خبيرًا تقليديًا “في مسائل الأمراض الفتاكة” ، إلا أنه كان لدى محمد نصيحة جيدة لمنع ومكافحة تطور مثل COVID -19. إذ يقول: «إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها».
وقد حث –وفقا للدكتور كونسيدين- النبي محمد البشر بشدة على الالتزام بالممارسات الصحية التي من شأنها أن تبقي الناس في مأمن من العدوى “.
ووقفا للدكتور كونسيدين فإن المقاربة الإسلامية للأمراض رائعة أيضًا حيث عالجت تعاليم النبي محمد الألم وحثت على العلاج الطبي. يقول د. كونسيدين:
“وماذا لو مرض شخص ما؟ ما نوع النصيحة التي سيقدمها محمد إلى إخوانه من البشر الذين يعانون من الألم؟ إنه يحثهم على التداوي والإفادة من الأدوية ” لأن الله لم يضع داء إلا ووضع له دواء إلا الهرم”.
إن تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمكافحة الوباء تنبع من كمال منهجيه النبوى النابع من الوحي من الله، وهذه أحد ميزات هذا الدين الإسلامي الذي نرى فيه التركيز على الجوانب العملية والروحية معا جنبا إلى جنب. ويشهد لذلك أن تلك التدابير الوقائية لم يسبق لها مثيل من قبل أي دين قبل الإسلام أو حتى بعده.
الإجراءات الصحية التي وضعها النبي محمد
يقدم الدكتور كونسيدين بعض الأمثلة على الإجراءات الإسلامية الصحية لمكافحة الأوبئة التي تجاوزت جميع الديانات الأخرى الشهيرة حتى المسيحية، قائلاً: “هل تعلم أحدا دل غيره على النظافة الصحية والحجر الصحي أثناء الوباء؟ إنه محمد، نبي الإسلام ، قبل 1300 عام. تأمل أحاديث النبي محمد التالية:
“النظافة من الإيمان”.
“إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده”.
بل إننا نضيف على كلام الدكتور كونسيدين من الإجراءات الصحية التي ذكرها الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم- بخلاف ذلك ما لم يبلغه ،ويعجب له القارىء، ومنها:
“عن جابر أن رسول الله نهى عن التبول في الماء الراكد”.
ومنها:
“لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل منه”.
موازنة الإيمان بالعقل
إن من أهم ما تتميز به الشريعة الإسلامية موازنتها بين العقل والنص، فلقد وجه النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- أتباعه إلى مقايسة النصوص حتى يضمن لهذه الشريعة مواكبتها لما استجد من نوازل وأمور لم يأت بشأنها نص صريح في شريعة الإسلام.
وهذا ما لفت انتباه د. كونسيدين عندما سرد قصة النبي مع الأعرابي الذي سأل النبي: أيرسل دابته ويتوكل أم يعقلها (أي يربطها) ويتوكل؟ فقال له: “بل اعقلها وتوكل”.
وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته بين الوسائل الدنيوية والدينية الإيمانية في الوقاية من البلاءات والأمراض، إذ كان يحث أتباعه على التضرع إلى الله صباح مساء لأن يقي المرء شرورها. ومن ذلك أقواله:
“مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ” .
“مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ” .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ :”أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ تَضُرَّكَ”.
وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : ( أَصَلَّيْتُمْ ؟ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : (قُلْ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : ( قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ).
وكان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يركز على النظر في الوسائل الدنيوية إلى جانب الوسائل الدينية. فعندما كان يأمر بأداء الصلاة ، ألفت إلى الحلول لمواجهة المشقة في آدائها لمن يعسر عليه آداؤها لمرض أو غير ذلك، إذ يقول:
“صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب”،
ومما أخذ من ذلك: “أن يوميء برأسه إن لم يستطع أن يحرك جسده”.
بل إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في الاعتبار الحالة النفسية للمريض، ويأمر أصحابه بتخفيف معاناته:
فلقد كان من دأب عائشة زوج النبي محمد صلى الله عليه وسلم-أن تأمر بصنع طعام يدعى التلبية لأهل الميت لما لها من الأثر في تخفيف الحزن:
فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ).
وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ).
قال النووي -شارح صحيح مسلم- :
“(مَجَمَّةٌ) وَيُقَال : (مُجِمَّةٌ) أَيْ : تُرِيح فُؤَاده , وَتُزِيل عَنْهُ الْهَمّ , وَتُنَشِّطهُ ” .
قال ابن القيم :
“وإذا شئتَ أن تعرف فضل التلبينة : فاعرف فضل ماء الشعير ، بل هي ماء الشعير لهم ؛ فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته ، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً ، والتلبينة تطبخ منه مطحوناً ، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن ، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية ، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً ، وهو أكثر تغذية ، وأقوى فعلاً ، وأعظم جلاءً” .” زاد المعاد ” ( 4 / 120 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف التلبينة :
“طعام يتخذ من دقيق أو نخالة ، وربما جُعل فيها عسل ، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة ، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً ، لا غليظاً نيئاً ” انتهى .” فتح الباري ” ( 9 / 550 ) .
ومما لا شك فيه أن للشعير فوائد متعددة ، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بعضها ، منها : تخفيض الكولسترول، ومعالجة القلب، وعلاج الاكتئاب، وعلاج ارتفاع السكر والضغط ، وكونه مليِّناً ومهدِّئاً للقولون، كما أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون. تقول الدكتورة صهباء بندق – وقد ذكرت العلاجات السابقة وفصَّلتها-:
وعلى هذا النحو يسهم العلاج بـ ” التلبينة ” في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية ؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب – خاصة شرايين القلب التاجية – فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية ، واحتشاء عضلة القلب.
المراجع
www.newsweek.com
-موقع الإسلام سؤال وجواب