اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

ابن الله أم ابن الإنسان؟

إن كتاب الأناجيل بما فيهم أصحاب الرسائل كتبوا كثيرا مما كتبوه من منطلقات اعتقادية اعتقدها هؤلاء وأقحمت في كلمة الله.

والمتفحص لنصوص الكتاب العهد الجديد ليتسائل هل كان المسيح ابنا لله أم كان ابنا للإنسان لتردد هذه اللفظة كثيرا فى الأناجيل؟! يسرع بعض أصحاب الأناجيل إلى تقرير تلك العقيدة فى صدر الإنجيل نفسه كمرقس الذى بدأ إنجيله بقوله:

“1بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ” (مرقس، 1:1)،

فهو قد خلص إلى هذه النتيجة الخطيرة قبل أن يسرد كلام الرب نفسه! فلماذا لم يدعنا نحن نحكم بأنه ابن الله؟ يبدو أن هناك عقيدة ما قد تأثر بها مؤلفوا الأناجيل في زمان انحرف فيه أتباع المسيح عن الجادة وظهرت أقاويل فاسدة ومنها القول ببنوة عيسى لله عز وجل!

ومن تلك النصوص: (متى8: 18-19):

“18وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ. 19فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 20فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ”.

“6وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:«قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» 7فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. 8فَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَانًا مِثْلَ هذَا”.(متى، 6:9-7)

يبدوا أن الكلمات التى جعلت من المسيح ابنا لله ليست من كلمات عيسى نفسه وإذا كان المسيح ابنا لله أو ربا فلم جمعت الأناجيل بين الشيء وضده كيف يكون المسيح ابنا لله وابنا للإنسان فى الوقت ذاته؟!

إن هذا الجمع الذى يستحيل عقلا ومنطقا أوقع الأناجيل فى تناقضات عدة إذ سمح يسوع لنفسه بأن يقذف ويغفر لمن يسبه ويقذفه لأنه ابن الإنسان:

“لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. 32وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي”.(متى:12، 31-32)

ومن ذلك التناقض الفج التباين الذى يدركه القارىء للأناجيل فى كنه المسيح عليه السلام ؛فجموع كثيرة من الأصفياء أمثال يوحنا المعمدان وإيليا تحقق لديها أن يسوع هو ابن الانسان ولكن تقحم نصوص قليلة تنفى هذه الحقيقة فمن الذى أمد هؤلاء بهذه الوجهة أولا؟: 

13وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً:«مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» 14فَقَالُوا:«قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 15قَالَ لَهُمْ:«وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» 16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 18وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. 19وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ». 20حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ”.(متى 16: 13-20)

لذلك وجد مرقس حرجا فى نسبة عيسى لله فى كونه ابنا له وهو يقص إنباء يسوع عن آلامه:

“31وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ.” (مرقس،8: 31)

إن التفكير العقلى السليم لينفى نفيا جازما بنوة عيسى لله  عز و جل لما لهذه النسبة من إلصاق للنقص لله سبحانه وتعالى فالبنوة تقتضى أن لله زوجة وأنه يكبر وأنه يموت ويورث وفيه ما فيه من التجسيم بنقل صفات المخلوق للخالق من المناكحة والمضاجعة وغير ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

لذا نجد القرآن بتعاليمه الصافية الراقية ينزه الرب سبحانه وتعالى عن نسبة الشريك له بأى حال:

“بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ كذا ينزهه عن مشابهة خلقه: ليس كمثله” (101:6)  

“مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا”(72:3

لقد نفى الله سبحانه وتعالى الشرك عن نفسه سواء أكان أصلا أم فرعا فحسم مادة الشرك، يقول سبحانه:

“قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّـهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ” (112:2)

مواضيع ذات صلة