تشترك المسيحية مع الإسلام في القول والاعتقاد بمبدأ ثان رئيس وعقيدة أخرى أساس، تقول: إن الله الواحد الأحد هو خالق كل شئ من العدم ومبدع الوجود من لا شئ أو من اللاوجود ومكون الكائنات منظورة كانت أو غير منظورة، محسوسة أو غير محسوسة.
أما المسيحية، فيعلن سفر التكوين من الكتاب المقدس الحقيقة الخالدة الآتية: “في البدء خلق الله السماوات والأرض … ثم قال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى الأرض وعلى كل زاحف يزحف عليها فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم وباركهم الله قائلا لهم: أثمروا وتكاثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يتحرك على الأرض” (سفر التكوين – الإصحاح الأول – الأعداد 26، و27، و28).
ويعبر المزمور الحادي والستون عن ذلك الواقع الجديد الذي طرأ على وضع الإنسان بعد السقوط الكبير فيقول: “ارحمني يا الله حسب رحمتك وامح معاصي حسب كثرة رأفتك، اغسلني كليا من إثمي وطهرني من خطيئتي، فإنني أقر بمعاصي وخطيئتي ماثلة أمامي دائما. إليك وحدك أخطأت، والشر قدام عينيك صنعت … ها إني بالإثم قد ولدت وفي الخطيئة حبلت بي أمي” (سفر المزاميز: زبور داود – المزمور 61)
وأما الإسلام، فإن أول ما نزل من وحي على الرسول العربي هو آيات تتكلم عن الإنسان وتعليمه. فالإنسان هو المخلوق المحور الذي ذكره القرآن في آي الذكر الحكيم.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى، إن إلى ربك الرجعى (العلق 1:96-8).
ولقد وردت قصة بدء الخليقة في القرآن الكريم كما يلي:
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم (البقرة 29:2).
وتخبرنا السنة النبوية المحمدية في الحديث الشريف متى خلق آدم حيث يقول النبي محمد “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أخرج منها” (رواه مسلم وغيره من رواة الأحاديث).
وعن طبيعة حياة الإنسان على الأرض، يقول القرآن الكريم:
لقد خلقنا الإنسان في كبد، أيحسب أن لن يقدر عليه أحد، يقول أهلكت مالا لبدا، أيحسب أن لم يره أحد، ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين (البلد 4:90-10)
ويتوالى الوحي القرآني معالجًا قضية الخلق والإبداع والتكوين، وخلق الإنسان والكون والوجود، وخلق الحياة من العدم:
فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب، إنه على رجعه لقادر (الطارق 5:86-8).
كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى … سيذكر من يخشى، ويتجنبها الأشقى، الذي يصلى النار الكبرى، ثم لا يموت فيها ولا يحيى (الأعلى 15:87-1)
يعتبر الإسلام أن الإنسان هو أشرف مخلوقات الله الأرضية وأحبها إليه! إنه –الإنسان– خليفة الله في الأرض. يقول القرآن حول هذا الموضوع مكرسًا الإنسان خليفة لله على كوكبنا ويعلن:
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون (البقرة 30:2).
كما يقول القرآن:
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (البقرة 34:2).
وعن تكريم الإنسان وهبوطه من الجنة، يقول القرآن الكريم:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (التين 6:95-4).
المصدر: محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام – غسان سليم سالم – دار الطليعة – بيروت