اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

تعدد الزوجات في حياة النبي محمد

تعدد الزوجات

تعددت الزوجات في حياة النبي محمد كما تعددت في حياة الأنبياء من قبله

كثيرا ما يتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه كان زير نساء، وغالبا ما تستخدم بعض المعلومات التاريخية المغلوطة التي يساء تفسيرها للقدح في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم والطعن في عفته صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أنه حتى يصدر الحكم الصحيح والعادل والمنصف على شخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى عفته وعفافه إن صح لأمثالنا الحكم على ذلك، لابد من أن نضع الحقائق التاريخية الكاملة نصب أعيننا حتى تكتمل الصورة في أذهاننا ونستطيع الوقوف على وجه الحقيقة في هذا الأمر.

ولما كان أعداء الإسلام قد أطنبوا وأفاضوا في إيراد حقائق تاريخية مجتزأة وملبسة ومشتبهة بل ومحرفة، فلا حاجة إلى التبحر في إيراد مثل هذه المعلومات، بل يكفي تصحيحها وإيرادها في سياقها التاريخي الصحيح وتفسيرها التفسير الملائم والمتناسب مع هذا السياق التاريخي.

وتجدر الإشارة إلى بعض الحقائق التاريخية الأخرى التي يجهلها أو يغفل عنها الكثير من الناس والتي تنفي ما يثار عن النبي محمد من صنوف الافتراء وضروب الطعن والقدح والتشهير حتى تتضح الرؤية لدى عموم الناس.

وسنتناول هذا الموضوع في شكل نقاط موجزة تدرأ أية إمكانية لكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم زير نساء أو غير ذلك من مسميات الإفك والتجني والافتراء وذلك في شكل ردود على السؤال التالي:

لماذا لا يمكن أن يكون النبي محمد زير نساء؟

• تعدد زوجات الأنبياء السابقين: يخبرنا الكتاب المقدس أن العديد من أنبياء الله ورسله قد تعددت زوجاتهم لاسيما النبي سليمان والنبي داود والنبي إبراهيم والنبي يعقوب على سبيل المثال لا الحصر. يقول الكتاب المقدس عن سيدنا سليمان: “فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ” (1 ملوك 11 :2-3)، كما يقول الكتاب المقدس عن سيدنا داود: “وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضًا لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ” (2 صموئيل 13:5).

ويخبرنا الكتاب المقدس أن سيدنا يعقوب كان له عدة زوجات وسراري وهن: ليئة وراحيل وبلهة الجارية وزلفة الجارية. (التكوين 23:29)، (التكوين 30:29)، (التكوين 4:30)، (التكوين 9:30)، كما يخبرنا الكتاب المقدس أن سيدنا إبراهيم كان له عدة زوجات وهن سارة وهاجر وقطورة (التكوين 15:17-16)، (التكوين 16 :1-3)، (التكوين 1:25).

وإذا كان كذلك، فهل كان سيدنا داود أو سليمان أو إبراهيم أو يعقوب زير نساء أيضا؟

• عفة النبي في صغره وشبابه: عرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صغره وشبابه بالعفة والطهارة بين قومه قبل البعثة، ولم يكن يعرف إلا بوصف “الصادق الأمين”، فلم يؤثر عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان غير ذلك، وإلا لعيره كفار قومه بعدم عفته فيما مضى من عمره قبل المبعث. ومما لا شك فيه أن زير النساء تبدو عليه أمارات الفسق والانحراف منذ صغره لاسيما في مراهقته وشبابه.

• قبول النبي الزواج لأول مرة من امرأة تكبره سنا: وافق النبي محمد صلى الله عليه وسلم على عرض السيدة خديجة الزواج منه كأول زوجة له على الرغم من أنها كانت تكبره سنا بنحو خمسة عشر عاما. يقول ابن حجر: “إن السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت ذات شرف وجمال في قريش، وإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج في تجارة لها ـ رضي الله عنها ـ إلى سوق بصرى، فربح ضعف ما كان غيره يربح . قالت نفيسة أخت يعلى بن أمية: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً (خفية)، أعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية، وحين تزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت أيماً بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصابت بذلك خير الدنيا والآخرة” (الإصابة في تمييز الصحابة). ومما لا شك فيه أن زير النساء لا يقدم على مثل هذه الزيجة في أول زواج له لأن المفترض فيه الرغبة الشديدة في التمتع بالنساء وهذا الأمر غير متاح في الزواج من امرأة تكبره سنا بنحو خمسة عشر عاما. والمنطقي أن يتزوج زير النساء من امرأة شابة جميلة حتى يستمتع بها.

• بقاء النبي زوجا وفيا لزوجته الأولى المسنة حتى وفاتها طيلة 25 عاما: ظل النبي محمد صلى الله عليه وسلم قرابة الخمسة والعشرين عاما زوجا وفيا لزوجته الأولى المسنة السيدة خديجة حتى وفاتها، فلم يطلقها ولم يتزوج امرأة أخرى في حياتها بل ولم تكن له سراري أو جواري حال حياتها، وكان دائم الثناء عليها حتى بعد وفاتها. فعن عائشة رضي الله عنها قال: “ما غِرْت من امرأة ما غِرْت من خديجة من كثرة ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين” (رواه البخاري) وعلى فرض اضطرار النبي محمد إلى الزواج من السيدة الخديجة، زوجته الأولى المسنة، لسبب أو لآخر، فلماذا لم يطلقها أو يتزوج امرأة أخرى معها أو يتسر بالجواري والإماء حال حياتها؟ إن المفترض في زير النساء أنه إذا اضطر إلى الزواج من امرأة مسنة لظروف ما فإنه بعد فترة يقدم على طلاقها أو على الأقل الزواج من امرأة أخرى معها أو التسري بالإماء والجواري حال حياتها، وإذا لم يحدث كل ذلك، فإنه يذمها ويذم عشرتها بعد وفاتها.

• لم تتعدد زوجات النبي إلا بعد بلوغه 50 عاما: لم تتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها أي في العقد الأخير من حياة النبي وبعد تجاوزه سن الخمسين من عمره. فإذا كان النبي زير نساء، فلماذا لم يكن كذلك قبل بلوغ سن الخمسين، فهل يعقل أن يظل الرجل عفيفا قبل هرمه وأن يصبح فجأة زير نساء بعد هرمه وشيخوخته؟

• زواج النبي من نساء مسنات ذوات عيال سبق لهن الزواج: كانت أغلب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من النساء المسنات ذوات العيال اللاتي سبق لهن الزواج وتخلى عنهن الجمال. ومن هؤلاء النساء السيدة سودة بنت زمعة التي كانت أرملة لديها ستة أبناء وقد خلت ملامحها من الجمال، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة السيدة خديجة. فإذا كان النبي محمد زير نساء، فلماذا تزوج نساء مسنات معيلات غير جميلات ومن هؤلاء السيدة سودة التي تزوجها بعد وفاة السيدة خديجة؟ إن المفترض في زير النساء أن يتزوج أبكارا شابات جميلات حتى يستمتع بهن بدلا من الزواج من مسنات معيلات غير جميلات.

• زواج النبي من فتاة صغيرة: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعا (البخاري)، فإذا كان النبي محمد زير نساء، فلماذا يتزوج فتاة صغيرة في هذا السن المبكر؟ إن المفترض في زير النساء أن يتزوج امرأة شابة جميلة وليس فتاة صغيرة قد بلغت سن البلوغ لتوها.

• زهد النبي فيما دون النساء: لم يؤثر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان كثير الطعام أو الشراب أو النوم أو أنه كان يتناول أفخر الأطعمة وأشهى المأكولات أو أنه كان يلبس أفخر الثياب أو يسكن أوسع القصور، بل كان شديد الزهد والورع سواء في مأكله أو مشربه أو ملبسه أو مسكنه. ولقد اقتصرت شهواته على شهوتي النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة (الترمذي). وهذا ليس من سلوك زير النساء، فالمفترض في زير النساء أن ينهمك في إشباع جميع رغباته المادية سواء الأكل أو الشرب أو النوم أو اللبس أو الجنس بدلا من الاقتصار على شيء من ذلك فقط والاستغناء عما سواه من الشهوات الأخرى.

• عدل النبي بين زوجاته: كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العدل بين زوجاته، فكان يقسم بينهن، بمعنى أنه يقسم الليالي التي كان يقضيها معهن بالتساوي ما لم تتنازل إحدى زوجاته عن ليلتها لزوجة أخرى عن طيب خاطر منها، وظل ذلك ديدن النبي محمد حتى وفاته على الرغم من رفع واجب القسم عنه. وكان النبي يعدل بين زوجاته حتى عندما يتزوج زوجة جديدة فلا يطيل المكوث عندها فيظلم غيرها من زوجاته الأخريات، وكان يقرع بين زوجاته عند السفر (البخاري)، فلا يختار أيهن بحسب هواه هو وإرادته. وكان يعتذر إلى الله تعالى عن تقصيره غير المقصود في ميل قلبه تجاه بعض زوجاته على حساب البعض الآخر، وكان دائم التحذير من الميل إلى بعض الزوجات وإهمال البعض الآخر. وإذا كان كذلك، لم يكن النبي زير نساء، لأن زير النساء ينغمس في إشباع شهواته دون مراعاة لأحد أو تحري العدل والمساواة.

وإذا استحال كون النبي محمد صلى الله عليه وسلم زير نساء، فقد يتساءل كثيرون عن السر وراء تعدد زيجاته صلى الله عليه وسلم والسبب في ذلك.

السر وراء تعدد الزوجات في حياة النبي محمد

• اتباع العرف المشروع: على الرغم من اعتبار تعدد الزوجات اليوم أمرا غير اعتيادي أو مخالفا للعرف وعلى الرغم من المطالبة بتبرير تعدد الزوجات اليوم، كان تعدد الزوجات في العصور الماضية أمرا اعتياديا ومتسقا مع العرف ولا يحتاج أحد لتبريره. فكما أسلفنا كان تعدد الزوجات عادة متفشية في العهود السابقة بدليل أننا نجد أن الكتاب المقدس نفسه يشير إلى تعدد الزوجات في حياة الأنبياء، فلماذا ينتقد النبي محمد وحده على عادة مشروعة مارسها رجال كثر حتى الأنبياء أنفسهم؟

• الامتثال لوحي السماء وتحقيق أغراض الدعوة: كان الغرض الرئيسي من معظم زيجات النبي صلى الله عليه وسلم الامتثال لوحي السماء وتحقيق أغراض الدعوة. فعلى سبيل المثال، عن عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه” (رواه البخاري)

والحكمة من زواج النبي محمد من عائشة في هذا السن الصغير هي توفير رفيق صغير السن دائم الملازمة للنبي محمد داخل منزله حتى يذكر للناس ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ويقول في منزله وما كان يدور بينه وبين أزواجه أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن. فلقد أفادت حداثة سن السيدة عائشة في ملازمة النبي لأطول وقت ممكن وتعليم المسلمين جيلا بعد جيل ما كان يحدث في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد عاشت السيدة عائشة حتى خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أي أنها قد عاصرت الخلافة الراشدة بخلفائها الأربعة وانتقلت في بداية الدولة الأموية.

يقول الله تعالى:

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (الأحزاب 34:33)

وعن زواج النبي محمد من زوجة ابنه بالتبني زيد بن حارثة وهي السيدة زينب بنت جحش، يقول الله تعالى:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (الأحزاب 37:33)

وأما عن مراجعة السيدة حفصة بنت عمر بعد طلاق النبي لها، فقد روى الطبراني بإسناده إلى قيس بن يزيد: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة… فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فتجلببت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آتاني جبريل عليه السلام فقال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة”

• الاستعفاف المشروع: جاز للنبي محمد صلى الله عليه وسلم الزواج من نساء عدة بغرض الاستعفاف كما جاز لغيره سواء من الأنبياء أو حتى من آحاد الناس. يقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الأحزاب 50:33)

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- سنن الترمذي

4- معجم الطبراني

5- الإصابة في تمييز الصحابة

6- الكتاب المقدس

7- موقع الأنبا تكلا

_________

اقرأ أيضا:

تعدد الزوجات

مواضيع ذات صلة