إعداد فريق التحرير
مما تفرد به الإسلام وامتاز به على سائر الأديان الوسطية والاعتدال. ولذلك جعلها الله عز وجل أمة شاهدة على جميع الأمم المفرِط منهم والمفرِّط. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة 143:2)
وسطية الإسلام
لقد تجلت وسطية الإسلام في اعتدال تعاليمه بين الإفراط والتفريط. يقول الله تعالى:
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً (الإسراء 29:17)
كما تتجلى وسطية الإسلام في اعتدال أوامره ونواهيه. فلا يكلف المسلم إلا بما يطيق. يقول الله تعالى:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (البقرة 286:2)
ويقول تعالى:
لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (الأنعام 152:6)
كما يقول تعالى:
لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا (البقرة 233:2)
ودائما ما تراعى حالة المسلم بين الإطاقة والسعة وعدمهما عند التكليف. يقول الله تعالى:
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (البقرة 236:2)
كما يقول تعالى:
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (الطلاق 7:65)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب». (رواه البخاري)
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم الوصاية بما يطاق من الأعمال ودائم النهي عن تكليف النفس بما لا تطيق. فلقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “مَنْ هَذِهِ”؟ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ: “مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا”
كما روى البخاري ومسلم عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ.
ومنه ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: “ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا”
وكثيرا ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنطع والتشدد. فعن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً. (رواه البخاري).
النهي عن غلو المسيحيين
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين وبين أن في الغلو في الدين هلاك الأمم. فعن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال :قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ هَاتِ الْقُطْ لِي فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخذفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ. (أخرجه أحمد وابن ماجه)
ولقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل أشكال الغلو في الدين بما في ذلك الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم والثناء عليه. فعن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. (رواه البخاري)
وكما نهى الإسلام عن إطراء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نهى عن إطراء باقي الأنبياء والمرسلين. ولذلك، عاب القرآن الكريم على المسيحيين مغالاتهم في دينهم وإطراءهم لنبيهم. يقول الله تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا. لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (النساء 4 :171-172)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)». (رواه أبو داود وغيره)
ولقد زكى الإسلام الاعتدال والتوسط في أمور الدنيا والدين وأثنى على أهل الاعتدال وبين أن الاعتدال من شيم عباد الرحمن الحقيقيين. يقول الله تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (الفرقان 67:25)
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الوسطية والحنيفية هي أحب أشكال التدين إلى الله تعالى. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: “قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ”. (رواه أحمد وصححه الألباني)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة». (رواه البخاري)
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه» [متفق عليه)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن ينجي أحداً منكم عملُه، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته، ولكن سددوا و قاربوا، و اغدوا و روحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا». (متفق عليه)
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- صحيح مسلم
4- مسند الإمام أحمد