القائمة الرئيسية
اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها
أكاديمية سبيلي Sabeeli Academy

الحج المسيحي بين الكتاب المقدس والواقع

قد يتسائل البعض ماذا عن شعيرة الحج لدى المسيحيين وهل يعرفون تلك العبادة؟

يجيب عن هذا التساؤل مفكروا المسيحية إما بنفيها كلية أو إثباتها أو بتأويل المقصود من هذا الطقس وأنه مغاير جدا لما عليه المسلمون وغيرهم. يقول القمص عبدالمسيح بسيط أبوالخير، أستاذ علم اللاهوت بالكليات الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية وراعى كنيسة السيدة العذراء الأثرية للأقباط الأرثوذكس بالقاهرة، مصر: “رغم كونه ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، إلا أنه لا يعتبر إلزاميًا ولا فرضًا على المسيحى، ولا علاقة له بخلاص الأفراد روحيًا “.

ويقول أيضا: “لا طقوس خاصة بالحج فى المسيحية، إلا أن المسيحيين من شتى بقاع العالم اعتادوا الحج إلى القدس أثناء الصوم الأربعينى، لتنتهى رحلة الحج برؤية النور المقدس المنبثق من قبر السيد المسيح كنوع من أنواع التبرك “.

ويبين غيره كالأب هانىء باخوم أن الحج فى المسيحية هو فقط استلهام لذكريات المسيح فى الأماكن التى مر بها هو والعذراء والتبرك بها واستصحاب هذه العبر فى حياتنا المعاصرة، يقول: “زيارة مسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر، تساعد الأفراد على الدخول فى علاقة مع أبطال الرحلة وأفراد العائلة المقدسة والاقتداء بحالاتهم الإيمانية والروحية”.

ويرى كثير من مفكرى المسيحية أن هذا الحج-إن صح التعبير عنه بفظة الحج-إنما هو إلى القدس ولا يترتب عليه معصية أو إثم ولا علاقة له بالطقوس الكنسية إذ أن الغفران قد حصل فعليا بموت المسيح على الصليب!

والواقع أننا لا نرى ملامح واضحة لشعيرة الحج فى الكتاب المقدس وغاية ما ذكره هذا الكتاب هو الإخبار عن أمر الله لنبيه إبراهيم:

“اترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك وأنطلق الى الأرض التي أريك” (تكوين1:12).

ونجد أن لله بيوتا ولكن لم يطلب الحج إليها: (التكوين 6:12-9)، (التكوين 1:13-4)، (التكوين 16:28-22)، (التكوين 1:35-20)، (القضاة 26:20-27)، (القضاة 2:21). (القضاة 31:18)، (صموئيل الأول 1:1-3)، (صموئيل الأول 9:1-10)، (صموئيل الأول 24:1-28)، (صموئيل الأول 3:4-5).وبيت سليمان في أورشليم الذى يزعم ان فيه تابوت عهد الرب بمحتوياته وخيمة الاجتماع (الملوك الأول 1:8-66).

ولكننا لم نجد من النصوص ما قد طلب منهم النظر إلى ذلك الأمر على أنه شعيرة من الشعائر ولكننا نجد فى العهد القديم أشواقا إلى مكان تشبه سماته سمات مكة:

-“تشتاق بل تتوق نفسي الى ديار الرب.قلبي ولحمي يهتفان بالاله الحي”.(مزامير، 2:84)

-“عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا.ايضا ببركات يغطون”. (مزمور 6:84)

-“حِينَئِذٍ تَتَفَقَّعُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ. وَيَصِيرُ السَّرَابُ أَجَمًا، وَالْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكِنِ الذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَالْبَرْدِيِّ. وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ. لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ الْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ”. (إشعياء 35 :5-10)

ويشبه وادى فاران المذكور فى الكتاب المقدس مكة حيث المكان التى دارت فيه حادثة ترك هاجر وولدها فى الصحراء:

“فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. (تكوين 21 :14-21)”

-“وَهذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى، رَجُلُ اللهِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ…” (تثنية 33 :1-2)

وقد جاء فى القرآن تحديد موضع الحج في الإسلام ليكون بمكة:

“رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37:14)”

و قد يكون طُلب من أتباع المسيح عليه السلام شعيرة تشبه شعيرة الحج وقد تكون أزيلت ملامحه من الكتاب المقدس أو كانت لهم مناسك تشبه ذلك، لذا يقرر القرآن في معرض الحديث عن الحج وشعائره قائلا:

“لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ”. (67:22).

وقد دعا النبى محمد صلى الله عليه وسلم لكونه خاتم الأنبياء أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى إعمال كتبهم من غير تحريف في اتباعهم له وتدينهم بدين الإسلام وساق القرآن الدعوة إلى الحج بلفظ العموم فقال الله عز وجل:

“وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125:2)”

وبالنظر إلى دين الإسلام نرى أن الحج إلى بيت الله الحرام بمكة عد ركنا من أركان الإسلام وقد انطوى هذا الركن على عبادات لها مقاصد وغايات سامية ليست بدعية كالحال المسيحى فى التأطير لهذا الطقس حيث يتضح التدخل الكنسى والاعتبارات التاريخية فى الابتداع فى هذا الطقس بمد الحج إلى مقابر القديسين وإلى كنيسة القيامة حيث قيام عيسى الذى لم يأمر بالحج إلى مقام قيامه فى حياته البتة.

والحج فيه إحياء لسنة إبراهيم عليه السلام وإعلان عالمى للعلاقة الطيبة بين أنبياء الله ورسله سيما من لدن إبراهيم عليه السلام مرورا بموسى وعيسى وانتهاء بمحمد عليهم صلوات الله وسلامه.


المراجع

-القرآن الكريم

-الكتاب المقدس

-رسالة البابا يوحنّا بولس الثاني في شأن الحجّ إلى الأماكن المرتبطة بتاريخ الخلاص، المقطع الأوّل.

مواضيع ذات صلة