اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

حقوق المرأة وأحكام الزواج بين المسيحية والإسلام

تعدد الزوجات في الكتاب المقدس

بالرغم من أن الرسالات السماوية السابقة أباحت تعدد الزوجات، إلا أننا لا نجد فيها تحديدا لعدد الزوجات أو اشتراط العدل والمساواة على نحو ما نجده في الإسلام

إعداد فريق التحرير

تعتبر قضية تعدد الزوجات مثار الكثير من الجدل بين المسلمين وغيرهم لاسيما المسيحيين الذين يزعمون أن رسالتهم السماوية لا تبيح إلا الزواج من زوجة واحدة فقط. فلنبحث هذه القضية ونتناول موقف كل من الإسلام والمسيحية من هذه القضية.

تعدد الزوجات

كثيرا ما يدعي المسيحيون أن رسالتهم السماوية تنص على الزواج من زوجة واحدة وتحرم تعدد الزوجات. ويستشهد المسيحيون على ذلك ببعض الأعداد الواردة في العهد الجديد. ففي رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3، نقرأ: “فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ” (1 تيموثاوس 2:3)، كما نقرأ: “لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُل بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا” (1 تيموثاوس 12:3)، كما نقرأ أيضا في رسالة بولس الرسول إلى تيطس 1: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ” (تيطس 6:1-7)

ومع ذلك، نلاحظ في الأعداد السابقة أن الزواج من زوجة واحدة فرضه بولس في رسائله على الأساقفة والشمامسة ولم يفرضه على عموم المسيحيين. ولم يتناول السيد المسيح عدد الزوجات مطلقا. ولا نجد نصا صريحا في العهد الجديد يفرض على عموم المسيحيين الزواج من امرأة واحدة ويحرم عليهم الزواج من أكثر من امرأة واحدة.

ومن الغريب أن تعاليم بولس السابقة تناقض بعضها وغير معمول بها أصلا في الأوساط المسيحية ذاتها. فنجد أنه قد نفّر من الزواج أساسا حتى من امرأة واحدة وحبّذ التبتل أصلا، فنحن نقرأ: “وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً”. (1 كورنثوس 1:7)، كما نقرأ: “وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا” (1 كورنثوس 8:7)، كما نقرأ أيضا: “فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ. إِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَذْرَاءِ فَرْقًا: غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا. هذَا أَقُولُهُ لِخَيْرِكُمْ، لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقًا، بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ وَالْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ”. (1 كورنثوس 7 :32-35)

ولا يخفى على أحد أن الرهبان والراهبات يفرض عليهم وعليهن التبتل حتى “لا ينقض نذر التبتل” تأسيا بمريم وابنها المسيح عليهما السلام. فإذا كان كذلك، فكيف تتخذ الأعداد المتقدمة دليلا على تحريم تعدد الزوجات إذا كان ما ورد بها من فرضية زواج الأساقفة والشمامسة من زوجة واحدة غير معمول به أصلا في الأوساط الكهنوتية.

ومن المعلوم أن المسيحيين يتبعون الشريعة الموسوية، وهي وفقا للعهد القديم حتى في شكله الحالي تبيح تعدد الزوجات. فنحن نقرأ في الكتاب المقدس: “وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ” (التكوين 19:4). ويقول الكتاب المقدس عن سيدنا سليمان: “فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ” (1 ملوك 11 :2-3)، كما يقول الكتاب المقدس عن سيدنا داود: “وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضًا لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ” (2 صموئيل 13:5).

ويخبرنا الكتاب المقدس أن سيدنا يعقوب كان له عدة زوجات وسراري وهن: ليئة وراحيل وبلهة الجارية وزلفة الجارية. (التكوين 23:29)، (التكوين 30:29)، (التكوين 4:30)، (التكوين 9:30)، كما يخبرنا الكتاب المقدس أن سيدنا إبراهيم كان له عدة زوجات وهن سارة وهاجر وقطورة (التكوين 15:17-16)، (التكوين 16 :1-3)، (التكوين 1:25).

وهكذا، فما الدليل القطعي من الكتاب المقدس على تحريم تعدد الزوجات؟ إن تعدد الزوجات مباح بنص العهد القديم ولم يرد على لسان السيد المسيح ما يحرمه في العهد الجديد.

ولما كان الإسلام امتدادا للرسالات السماوية، أباح الإسلام تعدد الزوجات لحاجة البشرية إليه ولكنه لم يوجبه ولم يحبّذه بل نفّر منه وقيّده بما يضمن مصلحة المرأة قبل الرجل بأن قصر عدد الزوجات على أربع زوجات فقط واشترط القدرة عليه وكذلك العدل والإقساط قدر المستطاع وحبّذ الزواج من امرأة واحدة بنصوص صريحة لا تحتمل اللبس وردت في القرآن الكريم. يقول الله تعالى:

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (النساء 3:4)

كما يقول تعالى:

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء 129:4)

ولقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لغيلان وقد أسلم على عشر نسوة: “أمسك أربعا وفارق سائرهن” (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة)

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل” (رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجه)

والآن، أصبح جليا واضحا أنه بالرغم من أن الرسالات السماوية السابقة أباحت تعدد الزوجات، إلا أننا لا نجد فيها تحديدا لعدد الزوجات أو اشتراط العدل والمساواة على نحو ما نجده في الإسلام. كما أننا لا نجد فيها نصا قطعيا غير متناقض يحبذ الزواج من امرأة واحدة بالنسبة لعموم الناس وليس الأساقفة والشمامسة فحسب.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- سنن ابن ماجة

3- سنن الترمذي

4- الكتاب المقدس

5- موقع الأنبا تكلا

 

اقرأ أيضا:

حقوق المرأة وأحكام الزواج بين المسيحية والإسلام (بين الزواج والتبتل والحق في الزواج)

حقوق المرأة وأحكام الزواج بين المسيحية والإسلام (حرية اختيار الزوج والطلاق)

دليلك الشامل للتعرف على مكانة المرأة في الإسلام والمسيحية

معجم أهم أحوال المرأة في الكتاب المقدس ونظائرها في القرآن الكريم

مواضيع ذات صلة