الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية

القتل والسلب والغنيمة والجزية والأسر والسبي بين المسيحية والإسلام (2/1)

القتل في المسيحية

لم يكتف الكتاب المقدس بإقرار قتل الرجال وإنما أقر أيضا قتل الأبرياء سواء من النساء والأطفال والأسرى والسبايا

لقد جاءت كل من رسالة النبي عيسى عليه السلام أو ما يعرف حاليا بـ”المسيحية” ورسالة الإسلام الخاتمة التي أتى بها النبي محمد بعد أن مضت آلاف أو عشرات الآلاف بل وربما مئات الآلاف من السنين على عمر الدنيا، وقد نزلت خلال هذه الفترة رسالات سماوية سابقة هدت الناس إلى الطريق المستقيم. ولكن طال على الناس الأمد، فتبدل الطريق المستقيم الواحد بالسبل العوجاء العديدة وتحولت الوسطية السمحة إلى همجية متوحشة وبربرية حيوانية. وتجلت هذه المعاني الفاسدة عند الخلاف لاسيما الحروب كذروة الخلاف الإنساني.

ومن ثم، سادت الخلافات الإنسانية ولاسيما الحروب ممارسات لا إنسانية بشعة مثل القتل والسلب والسبي وغير ذلك من الأعراف الفاسدة قبل بعثة النبيين عيسى ومحمد بزمن طويل. ولذا، لم يبتدع الإسلام ولا المسيحية حتى في حلتها الحالية القتل ولا السلب ولا السبي لأن هذه الممارسات كانت موجودة بالفعل قبل هاتين الرسالتين السماويتين.

ولكن أليس من المفترض أن تهذب الرسالات السماوية من أعراف الناس وممارساتهم وسلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم؟ فهل فعلت المسيحية والإسلام ذلك فعلا لاسيما بالنسبة لأعراف الحرب التي كانت متبعة عند نزولهما أم أنهما جريا على هذه الأعراف أم أنهما زاداها سوءً وفساداً؟

تعالوا نقف على هذه الحقائق من واقع ما ورد في كتب المسيحية وتاريخها القديم لاسيما الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وكتب الإسلام لاسيما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

القتل والسلب والغنيمة والجزية والأسر والسبي في المسيحية

على الرغم من تحريم القتل والاستعباد في المسيحية، إلا أننا نجد أن المسيحية قد استباحت القتل والسلب والسبي وفقا لما ورد في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وحسبما هو معلوم من تاريخ المسيحية. وهكذا، فإن المسيحية لم تهذب من أعراف الحرب وإنما جرت عليها بنفس الهمجية والبربرية بل وأكثر.

 

العهد القديم

القتل والسلب والغنيمة والسبي في العهد القديم

أقر العهد القديم قتل الرجال وسبي النساء والأطفال وأعمال السلب والنهب والحرق والتخريب. فنحن نقرأ على سبيل المثال لا الحصر: “فَتَجَنَّدُوا عَلَى مِدْيَانَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ. وَمُلُوكُ مِدْيَانَ قَتَلُوهُمْ فَوْقَ قَتْلاَهُمْ: أَوِيَ وَرَاقِمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابعَ. خَمْسَةَ مُلُوكِ مِدْيَانَ. وَبَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ قَتَلُوهُ بِالسَّيْفِ. وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ مِدْيَانَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَنَهَبُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ، وَجَمِيعَ مَوَاشِيهِمْ وَكُلَّ أَمْلاَكِهِمْ. وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ مُدُنِهِمْ بِمَسَاكِنِهِمْ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ بِالنَّارِ. وَأَخَذُوا كُلَّ الْغَنِيمَةِ وَكُلَّ النَّهْبِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَأَتَوْا إِلَى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَإِلَى جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالْغَنِيمَةِ إِلَى الْمَحَلَّةِ إِلَى عَرَبَاتِ مُوآبَ الَّتِي عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا”. (العدد 7:31-12)

قتل السبايا والأسرى في العهد القديم

لم يكتف العهد القديم بإقرار سبي النساء والأطفال، وإنما أقر قتلهم وقتل الأبرياء علاوة على ما ذُكر من قتل الرجال وأعمال السلب والنهب والحرق والتخريب والتمثيل بالجثث. فنحن نقرأ على سبيل المثال: “وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي الْحَقْلِ فِي الْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ وَسَقَطُوا جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى فَنُوا، أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ. وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ الَّتِي مَدَّهَا بِالْمِزْرَاقِ حَتَّى حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ. لكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ. وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيًّا خَرَابًا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ”. (يشوع 24:8-29)

كما نقرأ في العهد القديم أيضا عن قتل الأسرى والسبايا: “إِذَا سَنَنْتُ سَيْفِي الْبَارِقَ، وَأَمْسَكَتْ بِالْقَضَاءِ يَدِي، أَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِي، وَأُجَازِي مُبْغِضِيَّ. أُسْكِرُ سِهَامِي بِدَمٍ، وَيَأْكُلُ سَيْفِي لَحْمًا. بِدَمِ الْقَتْلَى وَالسَّبَايَا، وَمِنْ رُؤُوسِ قُوَّادِ الْعَدُوِّ”. (التثنية 41:32-42)

وهكذا، فقد أمر العهد القديم بقتل الرجال والنساء والأطفال والأبرياء حتى وإن كانوا رضعا كما أمر أيضا بقتل الحيوانات في الحروب لاسيما البقر والغنم والجمال والحمير. فنحن نقرأ على سبيل المثال لا الحصر: “فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا”. (صموئيل الأول 3:15)

الجزية والاستعباد في العهد القديم

وفي حالة استحياء الشعوب الأخرى أي تركها على قيد الحياة، أقر العهد القديم استعباد بني إسرائيل لهذه الشعوب وأخذ الجزية منها. فنحن نقرأ على سبيل المثال لا الحصر: “فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيدًا تَحْتَ الْجِزْيَةِ”. (يشوع 10:16) ونقرأ: “وَكَانَ لَمَّا تَشَدَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَطْرُدُوهُمْ طَرْدًا”. (يشوع 13:17)

كما نقرأ أيضا: “حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا حَسَبَ جَمِيعِ أَرْجَاسِهِمِ الَّتِي عَمِلُوا لآلِهَتِهِمْ، فَتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ”. (تثنية 10:20-18)

العهد الجديد

القتل في العهد الجديد

نقل العهد الجديد عن السيد المسيح قوله أنه لم يجيء للسلام وإنما جاء بالسيف. فنحن نقرأ على سبيل المثال: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ”. (متى 34:10-36)

واتساقا مع سبق، نقل العهد الجديد عن السيد المسيح أمره لأتباعه بذبح من لا يؤمن به. فنحن نقرأ على سبيل المثال: “أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي” (لوقا 27:19)

الجزية في العهد الجديد

نقل العهد الجديد عن السيد المسيح إقراره للجزية، فنحن نقرأ: حِينَئِذٍ ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ». (متى 15:22-21)

التاريخ المسيحي القديم

يمتلئ التاريخ المسيحي القديم ناهيك عن الحديث بشواهد القتل والسلب والسبي منذ فجره ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

مذبحة تسالونيكي (390 م)

مذبحة تسالونيكي هي مذبحة ارتكبها في فجر المسيحية الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول (ثيوذوسيوس الكبير 347-395 م) وهو أول امبراطور يتبنى المسيحية حيث تبناها في عام 380 وجعل منها دينا وحيدا للإمبراطورية في عام 391.

فقد ارتكبت هذه المذبحة في عام 390 ضد سكان تسالونيكي الذين ثاروا على الإمبراطورية الرومانية، حيث ارتكب الجيش الروماني مجزرة ضد سكان تسالونيكي. فقتلوا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال.

ولقد قدر المؤرخ المسيحي ثيودوريطس في كتابه “تاريخ أصفياء الله” عدد القتلى في هذه المجزرة بحوالي 7000 نسمة. وفي هذا الكتاب نقرأ السطور التالية:

“استشاط الإمبراطور غضبا حتى بلغ الغضب منه مبلغه، فأشبع رغبته في الانتقام باستلال السيف ظلما وعدوانا ضد الجميع، فذبح الأبرياء والمذنبين على حد سواء. ويقال أن سبعة آلاف شخص قد هلكوا في غياب أي شكل من أشكال القانون وبدون حتى صدور حكم قضائي ضدهم، بيد أنهم قطعوا على حد سواء كسنابل القمح في موسم الحصاد”

مجزرة حلب (961 م)

في 18  ذو القعدة 351 هـ المُوافق 18 كانون الأوَّل (ديسمبر 961 م) وصل البيزنطيُّون بِقيادة نقفور فوقاس بِجيشٍ ضخم فاق بِعناصره وعتاده حجم الجيش الحمداني، فهُزم الأخير شر هزيمة، وحُوصرت حلب ثُمَّ اقتُحمت، وارتكب الروم فيها مجزرة كبيرة وعدَّة فظائع، فأعملوا السيف في أهلها وأحرقوا البُيُوت والمساجد والأشجار والمزروعات والمعالم الحضاريَّة من أسواق وقُصُور بما فيها قصر سيف الدولة، وسبوا آلاف المُسلمين، واستحالت حلب وأعمالها خرابًا.

وقد ذكر ابن كثير من أعمال نقفور أنه “ورد حلب في مائتيْ ألف مقاتل بغتة في سنة ٣٥١ هجرية. وجال فيها جولة، ففرّ من بين يديه صاحبها سيف الدولة. ففتحها عنوة، وقتل من أهلها من الرجال والنساء ما لا يعلمه إلّا الله. وخرّب دار سيف الدولة التي كانت ظاهر حلب، وأخذ أموالها وحواصلها وبدد شملها….، وكان لا يدخل في بلد إلا قتل المقاتلة…” (البداية والنهاية، ابن كثير، القاهرة ١٩٣٢ ميلادية)

سمل عيون الأسرى البلغار (1014 م)

بعدما انتصر باسيليوس الثاني (باسيل الثاني) في معركة كليديون (يوليو 1014)، وأسر 15,000 رجل، ذكرت المصادر أنه أمر بسمل عيون 15.000 أسير، ولم يترك إلا عيناً واحدة لكل مائة واحد منهم ليقود هذه الجموع المنكودة في عودتها إلى صمويل قيصر البلغار، صموئيل المنهزم الذي مات غماً بعد أشهر قليلة (أكتوبر 1014). ولذلك، سمي باسيليوس الثاني “سفاح البلغار”.

سمل عيون الإمبراطور رومانوس الرابع (1072 م)

أغار الإمبراطور الروماني رومانوس الرابع على بلاد الشام الشمالية وهاجم مدينة “منبج” ونهبها وقتل أهلها. فتصدى له السلطان ألب أرسلان وحقق انتصارا خاطفا عليه. وبعث إليه السلطان ألب أرسلان يطلب منه الصلح والهدنة ولكن رفض رومانوس الصلح والهدنة رفضا قاطعا. ودارت بينه وبين المسلمين معركة ملاذ كرد، فهزمه المسلمون وأسروه وأحضروه إلى السلطان ألب أرسلان ودار بين رومانوس وأرسلان حوار تاريخي.

وجاء في “سير أعلام النبلاء” للذَّهبي وصفٌ لهذا الحوار، حيث “قال ألب أرسلان: ويلك ألَم أبعث أطلب مِنك الهدنة؟ قال رومانوس: دعني من التوبيخ، قال: ما كان عزمُك لو ظفرتَ بي؟ قال: كل قبيح، قال: فما تؤمِّل وتظنُّ بي؟ قال رومانوس: القَتْل أو تشهِّرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء، قال السلطان: ما عزمتُ على غيرها، فاشترى – رومانوس – نفسَه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، مع إطلاق كلِّ أسيرٍ في بلاده، فخلع عليه، وبعثَ معه عدَّة وأعطاه نفقةً توصله” [سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (18/ 416)]

ومن المفارقات أن الروم المسيحيين فعلوا بإمبراطورهم المسيحي رومانوس ما لم يفعله به السلطان ألب أرسلان المسلم وأنه لو ظل رومانوس في الأسر عند المسلمين لكان خيرا له. فعندما عاد رومانوس إلى القسطنطينية، خـُلِع عن العرش، وسـُمِلت عيناه ونـُفـِي إلى جزيرة بروتي، وبعد ذلك بفترة وجيزة توفي نتيجة الإصابة أثناء العملية الوحشية لسمل عينيه. وآخر مرة شاهد فيها رومانوس قلب الأناضول الذي أمضى حياته مدافعاً عنه كانت مهينة له إذ وُضـِع على حمار مشوه الوجه لإهانته.

مذابح القدس (1099 م)

إبان الحملة الصليبية الأولى، دخل الصليبيون القدس في 15 يوليو سنة 1099م، وأقاموا فيها مذبحة قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا، واستباحوا مدينة القدس أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين. ويذكر أن ريموند القائد الصليبي احتل “مَعَرَّة النعمان”، وقتل بها مائة ألف، وأشعل النار فيها.

جدير بالذكر أن القدس قد دخلها المسلمون أربع مرات ولم يفعلوا بها ما فعله الصليبيون. ففي المرة الأولى، دخلها عمر بن الخطاب في أواخر أبريل 637 م، وعقد مع أهلها صلحا عرف باسم “العهدة العمرية” وبموجبها أعطاهم عمر الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم. وفي المرة الثانية، وبعد الحملة الصليبية الأولى بعقود، دخلها صلاح الدين الأيوبي في 2 أكتوبر 1187 م، فقبل الفدية من أهلها وسمح لمن لم يرد دفع الفدية بمغادرة القدس دون التعرض لأحد منهم بسوء. وفي المرة الثالثة، وبعد الحملة الصليبية السادسة بعدة سنوات، دخلها الملك الناصر داود في 7 ديسمبر 1239 م، فحارب الصليبيين وأخرجهم منها وأعطى أهلها الأمان. وفي المرة الرابعة، دخلها الملك الصالح نجم الدين أيوب في عام 1244 م، وتصدق فيها بألفي دينار مصرية وأمر بتعمير سورها.

مذبحة الرومان الكاثوليك في القسطنطينية (1182 م)

إنها مذبحة اللاتينيين أو السكان الرومان الكاثوليك الغربيين في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية على يد السكان الأرثوذكس الشرقيين في أبريل 1182 والتي تم فيها إبادة الجالية اللاتينية الرومانية الكاثوليكية الغربية والتي بلغ عددها من 60 إلى 80 ألف نسمة.

وتمت إبادة جاليات جنوة وبيزا على وجه الخصوص وبيع من تبقى منهم والبالغ عددهم 4 آلاف نسمة كعبيد لسلطنة السلاجقة الأتراك.

فلقد كان الأرثوذكس الشرقيون والرومان الكاثوليك ينظرون إلى بعضهم البعض على أنهم مارقين من الدين. وبعد إقصاء مارية أميرة أنطاكية الوصية على العرش سمح أندرونيكوس الأول كومنينوس الذي حل محلها إمبراطورا بيزنطيا للأرثوذكس الشرقيين بارتكاب مذبحة للرومان الكاثوليك راح ضحيتها الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، حتى أن المرضى الرومان الكاثوليك الراقدين على أسرة المستشفيات قتلوا وتعرضت منازل الرومان الكاثوليك وكنائسهم ومبراتهم لأعمال السلب والنهب على أيدي الأرثوذكس الشرقيين.

وقتل رجال الدين الرومان الكاثوليك، كما قتل الكاردينال يوحنا ممثل البابا وقطعت رأسه وجابت الشوارع مسحوبة في ذيل كلب.

تمزيق الإمبراطور “أندرونيكوس الأول كومنينوس” إرباً (1185 م)

قبل أن يصبح أندرونيكوس الأول كومنينوس إمبراطورا بيزنطيا، كان قد أسره السلاجقة المسلمون وظل في أيديهم لمدة عام كامل. ولم يمسه المسلمون بأذى على الرغم من أنه كان يقاتل ضدهم. ولما افتدي، عاد إلى القسطنطينية. وأصبح إمبراطورا بيزنطيا فيما بعد.

ولكن لما عزل من منصبه كإمبراطور بيزنطي، تم اعتقاله وتسليمه إلى غوغاء القسطنطينية. وترك لهم لمدة ثلاثة أيام حتى يعبروا عن غضبهم واستيائهم منه حيث ظل يضرب خلال هذه المدة مقيدا في إحدى السواري. فقطعت يده اليمنى واقتلعت أسنانه وشعره وسملت إحدى عينيه وقذف ماء مغلي في وجهه. وفي نهاية المطاف، اقتيد إلى مضمار القسطنطينية (ميدان السلطان أحمد حاليا) وعلق من رجليه بين عمودين. وتسابق جنديان على من ينفد سيفه أكثر عمقا في جسده. وتم تمزيقه إربا. ومات في 12 سبتمبر 1185.

مجزرة عكا (1191 م)

حاصر الصليبيون عكا لأكثر من ثلاثة أشهر حتى استسلمت في 12 يوليو 1191، وفي 20 أغسطس من نفس العام ارتكب الصليبيون مجزرة رهيبة عند تل العياضية حيث قتلوا أكثر من 3000 أسير مسلم وقتلوا معهم نساءهم وأطفالهم.

تخريب القسطنطينية وتدميرها (1204 م)

في عام 1204 وإبان الحملة الصليبية الرابعة، دخلت الجيوش الصليبية المدينة وحرقت مبانيها العامة والخاصة وانتهكت حرمة كنائسها.

فعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لهذه الحملة كان في الأساس احتلال القدس عن طريق غزو مصر، احتل صليبيو الغرب الرومان الكاثوليك مدينة القسطنطينية الأرثوذكسية الشرقية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية للاستيلاء على أملاك بيزنطة للاستعانة بها على الحملة وتوحيد المسيحيين تحت لواء هذه الحملة باسم الكنيسة.

وعما حدث للقسطنطينية إبان الحملة الصليبية الرابعة، كتب ستيفين رونسيمان:

“طوال تسعة قرون، كانت المدينة العظيمة عاصمة الحضارة المسيحية. ولقد امتلأت بالأعمال الفنية التي بقيت من اليونان القديمة وبتحف فنانيها المهرة. فاستولى الفينيسيون على الكنوز وحملوها لتزيين مدينتهم. ولكن تملكت الرغبة في التدمير من الفرنسيين والفلمنج. فاندفعوا في جمهرة غوغائية إلى الشوارع، وأخذوا ينتزعون كل شيء لامع ويدمرون كل ما لم يستطيعوا حمله، فلم يتوقفوا إلا للقتل أو للاغتصاب أو لفتح قباء الخمور… ولم تسلم الأديرة ولا الكنائس ولا المكتبات العامة من ذلك. بل في آيا صوفيا نفسها، أمكن رؤية الجنود السكارى وهم يمزقون الستائر الحريرية ويكسرون الأيقونات الفضية العظيمة، بينما وطئت الكتب المقدسة والأيقونات تحت الأقدام. وفيما هم يشربون ويمرحون من أوعية المذبح إذ ببغي وقفت على عرش البطريرك وبدأت تغني أغنية فرنسية بذيئة. واغتصبت الراهبات في أديرتهن. وأتيت القصور والأكواخ على حد سواء ودمرت. واستلقت النساء والأطفال في الشوارع ليلفظوا أنفاسهم الأخيرة. وطوال ثلاثة أيام، استمرت المناظر المروعة حتى أضحت المدينة الضخمة الجميلة خرابا… وعند استعادة النظام…، تعرض المواطنون للتعذيب للكشف عن المتاع الذين احتالوا لإخفائه.” (تاريخ الحملات الصليبية، كمبردج 1966 (1954)، الجزء الثالث، صفحة 123).

جدير بالذكر أن السلطان محمد الفاتح لما دخل القسطنطينية في مايو 1453 م خصص فرقا عسكرية لحراسة بعض مواقع المدينة وأهمها الكنائس حتى لا يتعرض لها أي من الجنود بضرر. وتوجه إلى كاتدرائية آيا صوفيا حيث تجمع خلق كثير من الناس فأمنهم على حياتهم وممتلكاتهم وحريتهم.

_________

المراجع:

  1. الكتاب المقدس
  2. تاريخ أصفياء الله
  3. البداية والنهاية لابن كثير
  4. سير أعلام النبلاء للذَّهبي
  5. تاريخ الحملات الصليبية

_________

اقرأ أيضا:

معجم ألفاظ استباحة القتل والتحريض عليه في الكتاب المقدس ونظائرها في القرآن

القتل والسلب والغنيمة والجزية والأسر والسبي بين المسيحية والإسلام (2/2)

تكريم المرأة بين الإسلام والمسيحية

مواضيع ذات صلة