الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية

الروح القدس بين النصرانية والإسلام

لقد توسعت النصرانية فى النظر إلى جبريل عليه السلام حتى بالغت فى مسمى روح القدس فنرى كثيرا من النصارى من يجهل أن المراد منه جبريل عليه السلام. لقد كثرت أسماء الروح القدس فى الكتاب المقدس وصفاته حتى شاركت صفاته بعض صفات الربوبية، فيدعى بعض النصارى، ومنهم القس الدكتور سامح موريس فى كتاب (الروح القدس وعلاقتنا به) الذى ادعى أن الروح القدس:

  1. أقنوم مساو للأب والابن ، ويستدلون على ذلك بأن المسيح قد قال:

    “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس” (متى، 19:28) وأن كلمة اسم تشير إلى ثلاثة فى واحد حيث لم يقل أسماء. ويستدلون أيضا ، كذا ما جاء رسالة كورنثوس الثانية : “نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم” (2كورنثوس 14:13)، ويدعون أن اقتران اسم الروح القدس مع الله يعنى المساواة له؟

  2. يخلق، ويستدلون بقول أيوب:

    “روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى” (أيوب 4:33) وبقول المرنم فى المزامير “ترسل روحك فتخلق. وتجدد وجه الأرض “(مز 30:104)

  3. الروح المحيى ويستدلون على ذلك بقول بولس:

    “وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.” (رومية 8: 11) وقول المسيح لنيقوديموس: “المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح”. (يوحنا، 6:3)

  4. أنه يقدس الحياة (1كورنثوس، 11:6)
  5. موجود فى كل مكان (مزمور 7:139-10)
  6. يعرف كل شىء (1كورنثوس، 9:9-11)
  7. أنه يصنع المعجزات (مزمزر 18:72)

وهذه النظرة المبالغ فيها للروح القدس جبريل عليه السلام تختلف عن النظرة الإسلامية الوسطية المعتدلة له فما جبريل إلا ملك مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى بالوحى إلى الأنبياء فلا يتعدى قدره إلى ان يكون شريكا له سبحانه فى ربوبيته أو قيوميته.

وكونه روحا بهذا المسمى لا يتقيد بذلك عن غيره فكل المخلوقات هى روح من الله مخلوقة له سبحانه وتعالى ولكن الله يختص بذكر هذه الروح لجبريل عليه السلام لبيان شرفها وفضلها وتميزها عن سائر الأرواح لا أنها روح متصلة بها سبحانه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وأما سبب تسميته عليه السلام بالروح الأمين، فقال الجياني: سمى روحاً لأن النفوس تحيى به كما تحيى بالأرواح. وقال الرازي وتبعه ابن عادل: سماه روحاً من حيث خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة. وقيل: لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح. وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام وإلى غيرهم.  وقال ابن عاشور: سمي روحاً لأن الملائكة من عالم الروحانيات وهي المجردات.. و(الأمين) صفة جبريل لأن الله أمنه على وحيه.

وقد جاء في القرآن شيء من صفات جبريل عليه السلام ولكنها لا ترفعه إلى درجة الربوبية أو الألوهية أو تعطيه درجة ليست له، ومن ذلك قوله تعالى:

“عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى” (5:53)

فجبريل هو ملك بل أفضل الملائكة وهو أمين الوحى قوى على حفظه وتبليغه للرسول صلى الله عليه وسلم وحفظه من التبديل أو النقص أو خلط الشياطين للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، (ذو مرة) أي: قوة، وخلق حسن.

ومنه قوله عز وجل: “إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ” (19:81

قال السعدي: (هو جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وكثرة خصاله الحميدة فإنه أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه ” ذي قوة” على ما أمره الله به، ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم فأهلكهم “عند ذي العرش” أي جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة، وخصيصة من الله اختصه بها، “مكين” أي: له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم “مطاع ثم” أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لديه من الملائكة المقربين جنود، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه “أمين” أي: ذو أمانة وقيام بما أمر به، لا يزيد ولا ينقص ولا يتعدى ما حد له).

ومما ثبت في السنة في ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته التي خلق عليها فسد ما بين الأفق، وثبت فيهما أيضاً من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما انتهينا إلى بيت المقدس، قال جبريل: بإصبعه فخرق به الحجر وشد به البراق. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب. وقال الألباني: صحيح الإسناد.

قال فى فتح البارى (قيل هُوَ جِبْرِيل وَقَوله نزل بِهِ الرّوح الْأمين هُوَ جِبْرِيل وَكَذَا روح الْقُدس) (فتح البارى ج1/ ص 126) وقال (أَمَّا جِبْرِيلُ فَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ رُوحُ الْقُدُسِ وَبِأَنَّهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ وَبِأَنَّهُ رَسُولٌ كَرِيمٌ ذُو قُوَّةٍ مَكِينٌ مُطَاعٌ أَمِينٌ)

وقال أيضا فى قَوْله تَعَالَى: {قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} (النَّحْل: 201) الْآيَة، وَفسّر: روح الْقُدس بقوله: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.  وَقيل لَهُ: روح الْقُدس، لِأَنَّهُ خلق من الطَّهَارَة،ونقل قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وأضيف الرّوح إِلَى الْقُدس وَهُوَ الطُّهْر، كَمَا يُقَال: حَاتِم الْجُود، وَزيد الْخَيْر، وَالْمرَاد الرّوح الْقُدس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: لِأَنَّهُ خلق من طَهَارَة، وَالروح فِي الْحَقِيقَة مَا يقوم بِهِ الْجَسَد وَتَكون بِهِ الْحَيَاة، وَقد أطلق على الْقُرْآن وَالْوَحي وَالرَّحْمَة وعَلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام).

قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله:

(وقد كان لجبريل عليه السّلام من الصّفات الحميدة العظيمة من الكرم، والقوّة، والقرب من الله تعالى، والمكانة، والاحترام بين الملائكة، والأمانة، والحسن، والطّهارة؛ ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسله قال الله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين (21ٍ)} . وقال:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)} [7:53]. وقال:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [102:16].وقد بيّن الله تعالى لنا أوصاف جبريل الّذي نزل بالقرآن فمنها صفة ( الكرم )، ودليلها قوله تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}، والكريم هو الفاضل المتحلّي بصفات الكمال كالشّرف والمجد والرّفعة. ومن أعظم الكرم أنّه لا يبخل ولا يكتم ما أمره الله تعالى بإيحائه إلى أنبيائه، كما قال تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24]، والضنّ – بالضّاد – هو الشحّ.- ثمّ صفة ( القوّة )، ودليلها قوله تعالى:{ ذِي قُوَّةٍ}، وجبريل أعظم الملائكة على الإطلاق، وفي صحيح البخاري عن ابنِ مسعُودٍ رضي الله عنه: أَنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (( رَأَى جِبْرِيلَ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ )).- ثمّ صفة القرب من الله عزّ وجلّ، ودليلها قوله تعالى:{ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ}.- ثمّ صفة الاحترام من الملائكة، ودليلها قوله تعالى:{مُطَاعٍ ثَمَّ}ا]: هناك في الملأ الإعلى، فهو أفضل الملائكة، والسّفير بين الله تعالى ورُسله جميعاً.- ثمّ صفة الأمانة، ودليلها قوله تعالى:{أَمِين}، وقد قرئ قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} بالظّاء، والظّنين هو المتّهم. والملائكة كلّهم أُمناء، ولكنّ الله تعالى اختار أفضلهم وأعظمهم، ليناسب ذلك تنزيل أعظم الكتب على أعظم الرّسل، فجمع الله لهذا الكتاب العظمةَ من جميع الوجوه. ثمّ صفة المكانة الرّفيعة عند الله، ودليلها قوله تعالى:{مَكِينٍ}، كما قال تعالى عن نبيّ الله يوسف عليه السّلام:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ}، وقال الملِك:{ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}.ثمّ صفة الحسن، ودليلها قوله تعالى:{ذُو مِرَّةٍ}، والمرّة هي الحسن وكمال الخِلقة، وقيل: كمال العقل، فجممع الله الحسن من جميع الوجوه.ثمّ صفة الطّهارة).

كذا نلمس من الجانب النصرانى الخلط الواضح فى مفهوم الخلق والإحياء فإن أيدى جبريل عليه السلام فى ذلك لا تتعدى كونها سببا يباشر أمر الله سبحانه بالخلق والإحياء لا أنه يخلق بذاته أو به ملكة الخلق. فالخالق واحد وهو ربنا الله سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى:

(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (22:21)

وقد قيل من الفساد فى ذلك إرادة أحدهما الخلق وعدم إرادة الآخر له مما يؤدى إلى التضارب والتناقض. ولما خاطب الله عيسى عليه السلام من إنعامه عليه فى إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص قيد ذلك بإذنه سبحانه وبين أن يدى عيسى فى ذلك ما هى إلا سبب مباشر للأمر الإلهى:

“إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ” ويتبين من الآية ان الخلق هنا مراد به التصوير فعيسى كان يصور الطير تمثالا ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله). (110:5)


المراجع

ابن عثيمين، شرح الأصول الثلاثة.

ابن حجر، فتح البارى.

سامح موريس، الروح القدس وعلاقتنا به.

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة