الأسرة بين المسيحية والإسلام

الأسرة هى اللبنة الأولى للمجتمع والمجتمعات تشكل بدورها الجزء الأكبر للأمم، ولا عجب أن يجتمع العالم كله على اليوم العالمى للأسرة. ولما كانت هذه الأهمية للأسرة يعرض هذا المقال للنظام الأسرى بين المسيحية والإسلام ويبين مواضع الخلاف.

الزواج والطلاق

يشكل الزواج نقطة الانطلاق والتشكيل للأسرة وقد أولت الكتب السماوية اهتماما بالغا بالزواج وحثت عليه. وقد جاء فى الكتاب المقدس:

“فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض”. (تكوين ص1، ف 27-28)، ومن ذلك:

“وقال الرب الإله ليس جيدا يكون آدم وحده فأضع له معينا نظيره” ( تكوين ص1، ف18).

تعريفات الطلاق فى المسيحية والإسلام

وقد نقل محمود عبد السميع شعلان، فى كتابه نظام الأسرة بين المسيحية والإسلام (دراسة مقارنة) تعاريف كثيرة للزواج فى المسيحية ومن ذلك تعرف بلانيوي الزواج فى المسيحية بأنه: “عقد بين رجل وامرأة يؤسسان به اجتماعا يقره القانون ولا يمكنهما حله بمحض إرادتهما”.

(اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان.)(متى: 6:19).

وقد عرفه ابن العسال فى كتاب المجموع الصفوى بقوله: “التزوج هو اتفاق رجل وامراة اتفاقا ظاهرا بشهادة وصلاة كهنة واختلاط عشيتهما اختلاطا محصلا لمعاونتهما على تحصيل ضروراتهما وتوليد نسل يخلفهما”.

وتشير بعض التعاريف المسيحية الشرقية إلى أنه سر كنسى مقدس وأنه سرّ إلهي عظيم ورد ذكره في الكتاب المقدس (أفسس 31:5-32).

وتتفق الديانيتن المسيحية والإسلام فى ضرورة الرباط الألفوى بين الزوجين وأن يحترم الزوجان رابطة الزواج. ففى المسيحية على المرأة أن تطيع زوجها وعلى الرجل أن يحبها لأنه كما أن المسيح هو رأس الكنيسة، فكذلك الرجل هو رأس المرأة (أفسس 23:5). وكذا فى الإسلام لكن الذى يميز الإسلام أنه بالغ فى هذا الجانب وكفاه من كل جواننه بتشريعاته الشاملة السمحة.

وينتقد شعلان تعريف ابن العسال بأنه احتوى بدعا كنسية أضيفت على عقد الزواج حيث تحتكره الكنيسة بحكم الكهنوت وهو اشتراط شهادة الكنيسة على الزواج وصلاة الكنيسة. ويقول: “إن الإنجيل لم يشر فى أى فقرة من فقراته إلى وجوب عقد الزواج على يد الكهنة مع صلوات وطقوس مخصوصة. ويبدو أن الكنيسة أدخلت هذا النظام فيما بعد ليكون موردا من مواردها المالية”. ويأخذ شعلان على هذا التعريف أيضا أنه جعل الغرض من الزيجة فى المسيحية النسل وأهمل الجوانب النفسية والحياتية. ويبين أن التعريف يتناقض أيضا مع ما تقوم به الكنيسة من طقوس تحكم عقد الزواج.

الوجهة الشاملة لمفهوم الزواج

ويخالف الإسلام فى ذلك فهذا العقد قد بنى فى الإسلام على التيسير فعقد الزواج فى الإسلام لا يتطلب سوى شاهدين وحضور ولى المرأة ولا يتقيد ذلك العقد بمكان العبادة أو تسلط لرجال الدين فى ذلك الأمر.

والواقع ان النظرة الإسلامية للزواج تتسم بالشمولية فينظر إلى الزواج على أنه “عقد بين الزوجين يحل به الوطء.”، وكما ذكر أهل العلم أيضا أنه عقد يضمن حقوقا وواجبات بين الطرفين يحصل به التحصن وسكن النفس.

فالإسلام يعد للأسرة وبنائها من لحظة ولادة المرء بالتوجيه التربوى الأخلاقى القويم وتصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة، ثم يشكل الأسرة على أساس قويم من خلال تخير الأم.

 والزواج عقد ينظر إليه الإسلام على أنه عقد غليظ موثق يقول سبحانه:

“وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا”. (4/20-21)

ويحرم الإسلام انتهاك حقوق المرأة والنظر إليها على انها سبب الغواية كما جاء فى أول عصيان فى التاريخ كما يقرر العهد القديم. فمن النهى عن هضم الزوجة حقوقها فى الإسلام النهى عن أخذ مهرها بغير حق.

“وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا”. (4/20-21)  ويقول: ” وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ” (4/25)

وها هى نصوص واردة فى شأن الزواج والطلاق فى الكتاب المقدس لتوضح هذا المفهوم:

وفقًا لما ورد في إنجيل متي (21:5)

“وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما انا فاقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلّة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى”. ومنها:

“الذى خلق الزوجين من البدء خلقهما ذكرا وأنثى لذا يترك الرجل أباه وامه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحددا فليس بعد اثنين بل واحد، فما جمعه الله لا يفرقه إنسان”.(تكوين 42:2)

(اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان.)(متى: 6:19).

ويتضح من هذا النصوص أن العلاقة الزيجية فى المسيحية أبدية ولكن الضغوط  المجتمعية المسيحية ما زالت ببعض الكنائس حتى رضخت لطلبات الجماهير فى صور منها الفسخ أو الهجر أو الانحلال. ولجأت بعض الدول كمصر إلى طرح قوانين جديدة بشروطً معينة مستحدثة لبطلان عقد الزواج، ويستبدل لفظ طلاق بانحلال الزواج، والموت والإلحاد وتغير الدين المسيحى أو المذاهب غير المعترف بها فى الكنائس المسيحية، وأسبابا للتطليق ، و6 حالات لما يسمى بـ”الزنا الحكمى”، ليتم التطليق.

ومن تلك الجوانب التى أخذت على الجانب المسيحى فى شرائعه للزواج استثناء الرهبان والرجال الكنيسة من هذه السنة الكونية من خلال الرهبنة وهو ما أنكره الإسلام وبين خطؤها ومخالفتها للغطرة التى فطر الله الناس عليها. ومن ذلك أيضا ما قررته بعض الكنائس أن الذي يستطيع أن يضبط نفسه عن الزنا، فالأفضل أن لا يتزوج، ولا يجوز عندهم الزواج بأكثر من واحدة، ولا طلاق عندهم إلا في حالة الزنا كما عند الأرثوذكس، وإذا طلَّق أحدهما الآخر فلا يتزوج مرة أخرى.

وبالنظر إلى الكتاب المقدس نرى عدم النظرة الشاملة للعلاقة الزيجية فقد أساء لمفهوم هذه العلاقة فى المسيحية التدخل البشرى فى التشريع فيها لكن الإسلام على الجانب الأخر يحكم هذه العلاقة لحظة بلحظة من تأهيل نفسى للزوجين قبل الزواج وتأهيل تربوى للمسلم بنشر الأخلاق الحميدة فى التعامل مع الجنس الآخر.

أما الاسلام فهو الدين الذى جاء ليلائم الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية والذى تتأسس تشريعاته مع اليسر الذى يوائم الفطرة يقول الله تبارك وتعالى:

“وما جعل عليكم فى الدين من حرج”  (22/78)

فنبى الإسلام يرى الزواج سنة من سنتى يقول:

“الزواج من سنتى فمن رغب عن سنتى فليس منى”.

ففى الإسلام نرى أنه إذا استحالت الحياة بين الطرفين وأصبح الطرفان فى بغض لبعضهما فلا يكره الإسلام أحدا على قبول غيره: قال سبحانه:

” وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ  وَكَانَ اللَّـهُ وَاسِعًا حَكِيمًا.”(4/130)

والإسلام يأمر الزوجين بالمعاشرة بالمعروف:

“وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن”.(4/19)

وشرع الإسلام الإصلاح بين الطرفين:

“وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (4/35)

 وحث الطرفين على التضحية ببعض الحقوق نظير الحفاظ على هذه العلاقة :

“وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا  وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ  وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا “. (4/128)

وبالمقارنة يظهر الفرق بين الوجهة المسيحية والإسلامية:

فالمفهوم الإسلامى للزواج قد أولى اهتماما للجانب النفسى وأن يكون الغرض من الزواج تحقيق الطمأنينة:

“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها”. (30/21).”

والإسلام راعى احتياجات البشر وطبيعة كل فرد فيه فلم يحرم تعدد الزوجات بإطلاق ولم يبحه بإطلاق. فاشترط شروطا لذلك من مراعاة العدل وعدم الجور والميل. يقول الله سبحانه :

“وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ  وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا”.(4/129)

أما المسيحية فلا يعد تعدد الزوجات شكلاً من أشكال الزواج المقبولة داخل المسيحية، ففي العهد الجديد دعى يسوع إلى وحدانية الزواج، وترفض اليوم معظم الطوائف المسيحية تعدد الزوجات وهو ما لا يقبله المنطق ولا العقل السليم.

ويتلخص مما سبق شمول النظرة الإسلامية للزواج من حيث التششريع فلا نعد فى فرعيات الزواج تشريعا يعالج كل القضايا المتعلقة بالزواج خلاف المسيحية المعاصرة التى لجات فى كثير من الأحيان إلى التشريع البشرى وفقا للضغوط المجتمعية مما يجعل المر يتسائل أين التشريع الإنجيلى بين ذلك كله ولم تدع الطوائف الميسحية اتباع الكتاب المقدس اتباع كاملا!

أما عن تنشئة الذرية فموضع اتفاق على التنشئة الصالحة بين الديانتين لكن الأسلام كعادته أولى هذا الجانب مزيدا من الاهتمام.


مراجع

موقع الدرر السنية

محمود عبد السميع شعلان، نظام الأسرة بين المسيحية والإسلام (دراسة مقارنة)، دار العلم.

مواضيع ذات صلة