الفرق بين القرآن وأهم كتب الديانات الحالية

أربعة أناجيل أم أكثر؟

“فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ”

ظلت تعاليم المسيح عليه السلام لفترة طويلة تنتقل بالرواية الشفهية إلى أن ألفت وجمعت فيما يعرف بين أيدينا الآن بـ”الكتاب المقدس” . ولللرهبة التى ينطوى عليها اسم هذا الكتاب ظل كثير من أساطين المسيحية عازفين عن التدقيق فى نصوصه والنظر إلى كل ما سطر فيه على أنه من المسلمات اليقينية.

ولما ظهرت المناهج النقدية الحديثة اليوم للنصوص لم تصمد كثير من النصوص الإنجيلية أمام معايير نقد النصوص وظهر التصرف البشرى فيها والانحراف والتحريف لكلمة الله. وكان من أكبر تلك العوامل التى ساهمت فى ذلك التحريف عدم كتابة تعاليم المسيح عليه السلام بين يديه. والأناجيل بوضعها الحالى القائم لا تعدوا بعد التدقيق إلا كونها سيرة ذاتية للسيد المسيح فلقد عُنون لكل منها: “إنجيل المسيح حسب/أو وفقا للبشير…”. ولما قررت الكنيسة أو المجامع الكنسية جمع تعاليمه لم يخضع هذا الجمع لدواعى الدقة الكتابية للعوامل السياسية والاجتماعية التى مرت بهذا الجمع.

وقد تأثرت الكنيسة فى كتابة الأناجيل بعدة عوامل أثرت على المسار الصحيح لجمعها وكتابتها:

أولا: العوامل الخاصة بالنص:

  1. لم يكن لدى الكنيسة وهى تعتمد النصوص المقدسة إلا بعض النصوص التى كتبها كاتبوا الأناجيل الذين اختلف فى لقاء عيسى عليه السلام بهم. فانقطاع السند بين المسيح عليه السلام والأناجيل كان أول عامل يفقد ذلك الكتاب المقدس مصداقيته.
  2. الاختلاف حول اللغة التى كتبت بها الاناجيل وهل كانت الآرامية أم غيرها اللغة التى كان يتحدث بها المسيح عليه السلام. وإن علمت اللغة الأم للمسيح عليه السلام واللغة التى ترجمت إليها فمن المعلوم أن النص يفقد كثيرا من سماته ومعانيه فى عملية الترجمة للفوارق اللغوية والثقافية والبنيوية للألفاظ بين اللغات.
  3. قلة وضوح تلك النصوص المكتوبة المنقولة لصعوبة العوامل المساعدة على الكتابة فى تلك الأزمنة مما دفع رواة الاناجيل إلى الاعتماد الأكبر على الرواية الشفهية فى نقل النصوص والتى تحتاج إلى عناصر بشرية ذات سمات خاصة لنقلها.
  4. يوحى التدبر العميق لكثير من نصوص الأناجيل بالتدخل البشرى فيها .فهذا مرقس يسطر أول آية لبداية إنجيله بقوله:

 “بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله” (مرقس، 1:1)،

 فهل الإنجيل هو كتاب الله الذى أنزل على المسيح أم هو السيرة الذاتية للمسيح؟!. ويتضح إقحام مرقس وصف المسيح بأنه ابن الله فى النص “المقدس”!.

ثانيا: العوامل الخاصة بنقلة النص

يعد ناقل النص الدينى عماد مصداقية النص. ومما يقلل من مصداقية كثير من نصوص الكتاب المقدس جهل المسيحيين بحال رواة الاناجيل فالذى يعرف عن متى أو لوقا أو مرقس أو يوحنا ما هى إلا معلومات يسيرة لا تكاد تروى غليل من يريد استكشاف هذه الشخصيات. فما مدى عدالة هؤلاء الرواة وما قدرتهم على حفظ تلك النصوص المنقولة شفهيا عن السيد المسيح عليه السلام؟ كل تلك التساؤلات تطرحها الأذهان وتحتاج إلى إجابات.

ثالثا: العوامل الاجتماعية والسياسية

لقد انقسم المسيحيون بعد موت المسيح عليه السلام إلى فرق عدة وإلى جماعات كثيرة لكل منها تعاليمه التى يدعى نسبتها إلى السيد المسيح عليه السلام. قال ابن حزم:

“وعمدتهم الْيَوْم ثَلَاث فرق فأعظمها فرقة الملكانية وَهِي مَذْهَب جَمِيع مُلُوك النَّصَارَى [فى كثير من البلدان] وَقَوْلهمْ أَن الله تَعَالَى عبارَة عَن قَوْلهم ثَلَاثَة أَسبَاب أَب وَابْن وروح الْقُدس كلهَا لم تزل وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَه تَامّ كُله وإنسان تَامّ كُله لَيْسَ أَحدهمَا غير الآخر وَأَن الْإِنْسَان مِنْهُ هُوَ الَّذِي صلب وَقتل وَأَن الْإِلَه مِنْهُ لم ينله شَيْء من ذَلِك وَأَن مَرْيَم ولدت الْإِلَه وَالْإِنْسَان وأنهما مَعًا شيءٌ وَاحِد ابْن الله تَعَالَى الله عَن كفرهم وَقَالَت النسطورية مثل ذَلِك سَوَاء بِسَوَاء إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن مَرْيَم لم تَلد الْإِلَه وَإِنَّمَا ولدت الْإِنْسَان وَأَن الله تَعَالَى لم يلد الْإِنْسَان وَإِنَّمَا ولد الْإِلَه تَعَالَى الله عَن كفرهم. وَقَالَت اليعقوبية إِن الْمَسِيح هُوَ الله تَعَالَى نَفسه وَأَن الله تَعَالَى عَن عَظِيم كفرهم مَاتَ وصلب وَقتل وَأَن الْعَالم بَقِي ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا مُدبر والفلك بِلَا مُدبر ثمَّ قَامَ وَرجع كَمَا كَانَ وَأَن الله تَعَالَى عَاد مُحدثا وَأَن الْمُحدث عَاد قَدِيما وَأَنه تَعَالَى هُوَ كَانَ فِي بطن مَرْيَم مَحْمُولا بِهِ”.

وكان لدى المسيحيين فى القرنين الأول والثانى الميلاديين أناجيل كثيرة غير الاناجيل الأربعة المعروفة وكان لكل فرقة إنجيلها. وقد دارت الحيرة بخلد الكنيسة الأوربية فى تلك الأزمنة أى الاناجيل تعتمد.

وقد أدلت العوامل الاجتماعية والسياسية فى تلك الآونة بدلوها فى عملية الاعتماد. ومن تلك الظروف التاريخية التى أثرت على المسيحية الوثنية، فلقد ذاعت الوثنية فى أرجاء أوربا وأصبح لها ملوك وحكام يرعونها فوقعت الكنيسة فى حرج شديد فلجات إلى التلفيق فى كثير من تعاليم المسيح عليه السلام.

كذا العوامل الاجتماعية التى شابت القساوسة والرهبان من حيث انصراف الناس والملوك عنهم  ما دفعهم إلى اختصاص أنفسهم بمزايا إنجيلية مقدسة من خلال التأويلات الزائفة لقضايا الخلاص والغفران وإقحام تلك المفاهيم الباطلة داخل كلمات المسيح عليه السلام.

وقد اطلعت الكنيسة وهى تجمع الأناجيل على أناجيل عدة منها ما كان يصدع بالحقائق عن السيد المسيح وعن رسالته التوحيدية الخالصة والتبشير بالرسالة الخالدة للبشرية رسالة النبى محمد-صلى الله عليه وسلم- والتى تصدق رسالة المسيح ورسالات جميع الأنبياء من قبله. ومن تلك الاناجيل إنجيل ينسب “لمتى” غير إنجيله المعروف وإنجيل القديس “برنابا” وإنجيل ينسب لـ “يعقوب” وإنجيل ينسب للحوارى “توماس”، وكذا إنجيل ينسب للقديس “نيكوديم: الذى أظهر إيمانه بعد رفع المسيح و”إنجيل الابيونيين”.

وقد ذكرت هذه الاناجيل تفصيلات عن حياة السيدة مريم والسيد المسيح لم تذكرها الأناجيل الأخرى.وسنلقى نظرة على إنجيل “برنابا” الذى اكتشف حديثا-وإن كان البعض يشكك فى نسبة وجوده التاريخى-.

وأياما كان فهو قد ذكر أمورا تحتاج إلى البحث والمقارنة وفيها تحريك للعقول المسيحية للبحث عن الحقيقة .ومما جاء فيه: إدانة كاتب الإنجيل لمعشر المسيحيين الذين غرر بهم الكفار والشياطين فى خلط تعاليم المسيح بالاعتقادات الكافرة حيث يقول فى مطلعه:  

“يا أيها الأعزاء إن الله العظيم قد اختصنا بنبيه يسوع المسيح رحمة عظيمة للعالمين وخصه بمعجزات اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين فأخذوا يبشرون بتعاليم ممعنة في الكفر داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله، ومجوزين كل لحم نجس  وقد ضل مع هؤلاء (بولس) الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسف والأسى. وهذا ما دعاني لأن أسطر ذلك الحق الذي رأيته”. وذكر أيضا: “إن يسوع قد نظر إلى الحواريين عندما بلغه افتتان الناس به وادعاؤهم أنه إله أو أنه ابن الله وطلب إليهم أن يبدوا رأيهم في ذلك، فأجاب بطرس: إنك المسيح ابن الله فغضب حينئذ يسوع وانتهره قائلا: اذهب وانصرف عني لأنك أنت الشيطان.”(برنابا:1:1).

ويتضح من ذلك التأكيد على بشرية المسيح ونفى ألوهيته وبنوته لله تعالى، كما يتضح من نصوص أخرى بداخله  صلب المسيح-عليه السلام -هو ما أكدت عليه تعاليم الإسلام المصدقة لتعاليم نبى الله عيسى عليه السلام من خلال نصوص القرآن.


مراجع:

محمد أبو زهرة، محاضرات النصرانية.

ابن حزم، الفصل فى الملل والأهواء والنحل.

على عبد الواحد وافى،الأسفار المقدسة فى الأديان السابقة للإسلام.

مواضيع ذات صلة