اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

مفهوم الرواية للنصوص الدينية بين النصرانية والاسلام

قواعد الرواية الحديثية عند اهل الحديث

تقوم الرواية الحديثية فى الإسلام على ضوابط دقيقة لكلمة الله وكلمة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث نقلا عبر منهج محكم دقيق لم يضاهيه منهج أرضى إلى اليوم.

ومن هذه القواعد التى تقوم عليها:

اتصال السند ويكون هذا الاتصال السندى على شقين التواتر وغير التواتر. والشق الأول هو أن يروى جيل عن جيل أمرا ما يستحيل تواطؤهم على الكذب، وهذا ما انتقل به القرآن الكريم. أما الحديث النبوى فمنه ما هو متواتر ومنه ما هو غير متواتر ولا يقدح عدم التواتر فى السند لأنه وجه كمال.

ويولى أهل الحديث فى الإسلام عناية بالرواة من حيث عدالتهم وضبطهم لما يروون سواء من حفظهم [وهو ما يطلقون عليه ضبط الصدر] أو من كتبهم. ونرى أهل المحدثين يعتنون بأسماء من اختلط حفظه من الرواة وتمييز أزمنة الاختلاط عن غيرها. فالحديث النبوى الصحيح الذى استوفى شروط الصحة هو “ما رواه العدل الضابط عن مثله ولم يكن شاذا ولا معللا”.

وتثبت العدالة للراوي بإحدى الطرق التالية:

“إن المبشرين أصحاب الأناجيل لم يكونوا إلا متحدثين باسم الجماعات المسيحية الأولى، وصلت إلينا أقوالهم من خلال التراث الشفهي” أ. كولمان

1-         نص عالمين أو أكثر من علماء الحديث على ذلك .

2-         الاستفاضة والشهرة: فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث أو غيرهم وشاع الثناء عليه كفى ذلك في عدالته مثل مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأشباههم . فهؤلاء لا يحتاجون إلى معدل ينص على عدالتهم  لأن العلم بظهور سيرهم واشتهار عدالتهم أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب  والمحاباة  .

وتزداد هذه العناية النقلية فى الصحيحين المنسوبين للإمامين الجليلين البخارى ومسلم. فالبخارى يشترط معاصرة الراوى لمن روى عنه وتصريحه بسماعه منه.

المفهوم النصرانى للرواية لنصوص الكتاب المقدس

إن فقدان المنهج المنضبط للرواية أوقع رواة الأناجيل فى أخطاء نقلية فادحة، فيظهر الفحص التاريخى للأناجيل الشك التاريخى لزمن كتابتها. والعجيب أن رسائل بولس لا تشير إلى أى من تلك الأناجيل. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله سلمًا إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة، أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم، وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد، وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل، ولا الحالي من العاطل، وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المَيْن كما يظهر الصبح لذي عينين، عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول”.

نرى أن إنجيل متى وفقا لابن حزم قد كتب بعد تسع سنين من رفع عيسى عليه السلام ويشكك البعض فى أن متى نفسه قد كتبه لأن الإنجيل الحالى قد كتب باليونانية وبه ستمائة آية من إنجيل مرقس. ومما يشكك فى نسبة كتابة هذا الإنجيل إلى متى أن نسمع فيه طرفا آخر يشير إلى الكاتب وإلى وظيفته أنه كان يعمل عشارا.

فنعدم فى الرواية الإنجيلية المعايير المثلى للرواية حيث نرى انقطاعا بين الرواة فمرقس لم يكن من أصحاب عيسى ولكن كان تلميذا لبطرس الرسول. كذا لم يكن لوقا من أصحاب عيسى وإنما كان تلميذا لبولس وكتب إنجيل يوحنا بستين سنة بعد رفع المسيح. ونرى أن كتب الأناجيل لم تسلم من الدس والتلاعب فهى لم تعتمد إلا فى”مجمع نيقية” عام 325م بعد صراع طويل على قانونيتها مقارنة بما عداها من أناجيل أخرى كانت موجودة آنذاك.

ويشوب مفهوم الرواية الإنجيلية وتحقيقها اليوم تخبط عظيم فمن المعاصرين من يدعى أن أصحاب الاناجيل :  كتبوا بوحى من الروح القدس ومسوقين من الروح القدس” فهل كتبوا ما نقلوه أم صاروا أنبياء كعيسى عليه السلام يتلقون الوحى من الروح القدس؟! وتارة يلفقون بين الوجهتين فيدعون: “بأنه كان هناك إنجيلًا مكتوبًا أخذ الجميع عنه بتصرف ولكن بوحي من الروح القدس“، وهنا تقف الرواية الإنجيلية مع الرواية الحديثية لأهل الإسلام  على مفترق الطرق فالرواية الحديثية لا تكتفى بالنقل من الكتب التى قد يشوبها التصحيف والتغيير فضلا عن الصعوبات التى قد يجدها الناقل فى نسبة الكتاب إلى صاحبه ولكن تقترن الرواية النقلية الكتابية مع الرواية الشفهية بسندها عن صاحب الكتاب.

وتتميز الرواية الحديثية لأهل الإسلام بالحرص على علو السند بمزيد من القرب الزمنى من المصدر الأصلى او قائل العبارة وهو ما لا نجد مثله فى الرواية الإنجيلية حيث الاعتماد على المصادر الثانوية فيدعى بعضهم أن “مرقس هو أول من كتب إنجيله ثم اطلع لوقا ومتى على ما كتب مرقس واقتبسوا منه” فلم هى إذا أناجيل ولم تكن إنجيلا واحدا؟!

يقول موريس بوكاى: “لم يأت ذكر للأناجيل في الكتابات والنصوص التي تنحدر إلينا من المراحل الأولى للمسيحية حتى مر وقت طويل على النصوص التي كان قد كتبها بولس. ولقد بدأ ظهور مجموعات من الكتابات الإنجيلية في منتصف القرن الثاني الميلادي وبالتحديد بعد عام 140. وبالرغم من ذلك نجد أنه اعتبارا من بداية القرن الثاني الميلادي يصرون بوضوح على أنهم يعرفون عددا كبيرا من رسائل بولس. إن مثل هذه الملاحظات شائعة الوجود وتعرضها لنا بوضوح مقدمة الترجمة المسكونية للعهد الجديد التي صدرت في عام 1972. أما الأناجيل التي أصبحت رسمية فهي فقط الأناجيل التي تعترف بها الكنيسة ولا تعترف بما سواها وهي إنجيل متى ولوقا ويوحنا ومرقس.”

وينقل عن أ. كولمان في كتابه المعنون بعنوان العهد الجديد قوله: “إن المبشرين أصحاب الأناجيل لم يكونوا إلا متحدثين باسم الجماعات المسيحية الأولى، وصلت إلينا أقوالهم من خلال التراث الشفهي. ولقد ظل الإنجيل طيلة ثلاث وأربعين سنة في صورته الشفهية فقط على وجه التقريب. ولكن هذا التراث الشفهي قد تضمن في غضون أيضا أقوالا مختلفة، وروايات متعارضه منعزلة. ولقد نسج المبشرون أصحاب الأناجيل -كل على طريقته وبحسب شخصيته الخاصة واهتماماته اللاهوتية الخاصة – الروابط بين هذه الروايات والأقوال التي تلقوها من التراث السائد.”


مراجع

“محاضرات في النصرانية”، للشيخ محمد أبو زهرة.

https://www.dorar.net

أصول وضوابط الرواية اللفظية ” الشفهية ” عند المحدثين

د. محمد رضوان أبو شعبان، د. نعيم أسعد الصفدي.

مجموع الفتاوى لابن تيمية

مواضيع ذات صلة