اليهودية والمسيحية والإسلام: أصول أسمائها ورسالاتها

الله هو الغني (الصمد)

الغني

كيف يكون السيد المسيح إلها وقد كان مفتقرا إلى غيره محتاجا إليه في ولادته وإطعامه من الجوع وسقيه من العطش ونجاته من الموت؟

من أسماء الله وصفاته “الغني” و”الصمد”. فمن المنطقي أن يتصف إله هذا الكون وخالقه ورازقه بأنه “الغني”، بل و”المغني”، و”الصمد”، فهو القائم على أمور خلقه والمدبر لشئونهم، وكلهم محتاج إليه وهو عنهم غني.

الغني (الصمد) في الإسلام

يوصف إله الكون في القرآن الكريم بأنه “الغني”. فنحن نقرأ:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (النساء 131:4)

كما نقرأ:

وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (الأنعام 133:6)

كما نقرأ أيضا:

قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (يونس 68:10)

كما يوصف الله تعالى بأنه “المغني”، أي الغني المستغني عن الناس والمغني لمن شاء منهم. فنحن نقرأ:

وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى … وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (النجم 53 :42-48)

كما نقرأ أيضا:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (الضحى 93 :5-8)

كما يوصف سبحانه وتعالى بأنه “الصمد”. فنحن نقرأ:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (الإخلاص 112 :1-4)

وفي السنة النبوية، ينقل النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي عن رب العزة وصفه تعالى لذاته الإلهية بأنه “الصمد”. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد”. (رواه البخاري)

الغني (الصمد) في المسيحية

إن فكرة صمدية الإله واستغنائه عن خلقه فكرة غائبة تماما عن المعتقد المسيحي. فالكتاب المقدس كثيرا ما يحدثنا عن احتياج الإله وعوزه وافتقاره إلى غيره. فأين صمدية الإله من ولادة السيد المسيح المتخذ إلها مع الله (المسمى بـ”الآب”)؟ ففي العهد الجديد، نحن نقرأ: “أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”. (متى 18:1)

فإذا كان الإله مولودا، فهو إذا بحاجة إلى أب وأم. فهل من المعقول أن يكون الإله في حاجة إلى غيره؟ وهل أبو الإله وأمه آلهة أيضا أم لا؟

وأين صمدية الإله وقد أخبرنا الكتاب المقدس أن السيد المسيح قد اعتراه ما يعتري البشر من الجوع والعطش؟ فالعهد الجديد يروي لنا أن السيد المسيح كان يعتريه الجوع، فنحن نقرأ: “ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا”. (متى 4 :1-2)

كما نقرأ أيضا: وَفِي الصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ، وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: «لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ. (متى 21 :18-19)

كما يذكر لنا العهد الجديد أن السيد المسيح كان يعتريه العطش. فنحن نقرأ: “بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: ‘أَنَا عَطْشَانُ’”. (يوحنا 28:19)

وأين غنى السيد المسيح واستغنائه عن الغير كإله من صلاته واستعانته بغيره؟ فنحن نقرأ: “وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ”. (متى 23:14)، كما نقرأ: ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». (متى 39:26)، كما نقرأ ايضا: فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. (متى 26 :42-44)

والسؤال الآن هو: كيف يكون السيد المسيح إلها وقد كان مفتقرا إلى غيره محتاجا إليه في ولادته وإطعامه من الجوع وسقيه من العطش ونجاته من الموت؟

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- صحيح البخاري

3- الكتاب المقدس

مواضيع ذات صلة