تكريم المرأة بين الإسلام والمسيحية

الله هو الجبار (المتكبر & المتعال)

الجبار

كيف يكون السيد المسيح إلها وقد أكد الكتاب المقدس في عهده الجديد أنه كان عبدا متواضعا لله (الآب)؟

من أسماء الله وصفاته “الجبار”، و”المتكبر”، و”المتعال”. فإن الخالق العظيم لهذا الكون ورازقه والقائم على أموره والمدبر لشئونه لابد أن يكون جبارا، ومتكبرا، ومتعاليا،. ولا يتنافى ذلك مع معاني الرحمة والرأفة، ولكن المقصود أن له تعالى الجبروت والكبرياء والعلو، فهو على كل شيء قدير، وليس كمثله شيء.

الجبار في الإسلام

يوصف إله الكون في القرآن الكريم بأنه “الجبار” و”المتكبر”، فنحن نقرأ على سبيل المثال:

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (الحشر 23:59)

ويؤكد القرآن الكريم أن لله عز وجل الجبروت والكبرياء في السماوات والأرض، فنحن نقرأ:

فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجاثية 45 :36-37)

كما يوصف الله سبحانه وتعالى بأنه “المتعال”. فنحن نقرأ:

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (الرعد 8:13-9)

الجبار في المسيحية

بالرغم من اتخاذ السيد المسيح إلها في المسيحية، يحدثنا الكتاب المقدس في عهده الجديد عن مدى تواضعه. فعلى سبيل المثال، ينقل العهد الجديد عن السيد المسيح قوله: “اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ”. (متى 29:11)

كما ينقل الكتاب المقدس عن السيد المسيح قوله أنه جاء ليخدم لا ليُخدم. فنحن نقرأ: “كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ”. (متى 28:20)

كما نقرأ أيضا: “لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ”. (لوقا 27:22)

بل إن العهد الجديد يخبرنا أن السيد المسيح من فرط تواضعه قد أقدم على غسل أقدام حوارييه، فنحن نقرأ: “ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا”. (يوحنا 5:13)

ولنا الآن أن نسأل: هل يمكن أن يكون الإله متواضعا؟ والإجابة: بالطبع، لا، والسبب ببساطة هو أن الإله الحق منزه عن الضعة، بمعنى أنه ليس لديه ما يشينه أو يعيبه ويحمله على إظهار الضعة، فيما يسمى بـ”التواضع”.

أما الإنسان، فمهما ارتقى وبلغ أعلى درجات الكمال البشري، فمازال هناك ما يشينه ويعيبه ويحمله على إظهار ضعته، تواضعا لله عز وجل. فليس هناك إنسان كامل، بل إن كماله كمال نسبي، أي أنه أكمل من غيره من البشر وليس كاملا كمالا مطلقا. ولما كان الإنسان كذلك، لم يكن له أن يتكبر أو يتجبر أو يتعالى أو ينازع الله تعالى في خصائص ألوهيته وربوبيته، وليس له إلا أن يعترف بنقصه البشري وعيبه الإنساني.

وهذا هو بالضبط ما كان من أمر السيد المسيح. فلقد ترك التكبر والتجبر والتعالي لأن ذلك من شأن المولى عز وجل، أما الإنسان، فعليه أن يتواضع لله عز وجل، حتى وإن كان نبيا أو رسولا. ولذلك، نقرأ في الكتاب المقدس: وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا». (متى 19 :16-17)

فلقد بين السيد المسيح في الآيات السابقة أنه ليس أحد صالحا إلا الله، وأنه هو نفسه ليس صالحا، بمعنى أنه لم يبلغ الكمال في الصلاح، وإنما صلاحه صلاح بشري يعتريه النقص والزلل. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عبودية السيد المسيح وينفي ألوهيته أو ربوبيته. فالإله لابد أن يكون صالحا صلاحا مطلقا، أما السيد المسيح فكان صلاحه صلاحا إنسانيا نسبيا.

وفي الحقيقة، وردت في العهد الجديد آيات كثيرة تؤكد عبودية السيد المسيح لله عز وجل. فعلى سبيل المثال، نحن نقرأ: “إِنَّ إِلهَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويَعْقوب، إِلهَ آبائِنا، قد مَجَّدَ عَبدَه يسوع الَّذي أَسلَمتُموه أَنتمُ وأَنكَرتُموه أَمامَ بيلاطُس، وكانَ قد عَزَمَ على تَخلِيَةِ سَبيلِه” (أعمال الرسل 13:3) (الترجمة الكاثوليكية اليسوعية)

كما نقرأ: “تحالَفَ حَقًّا في هذهِ المَدينةِ هِيرودُس وبُنْطيوس بيلاطُس والوَثَنِيُّونَ وشُعوبُ إِسرائيلَ على عَبدِكَ القُدُّوسِ يسوعَ الَّذي مَسَحتَه” (أعمال الرسل 27:4)، كما نقرأ أيضا: “باسِطًا يدَكَ لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع” (أعمال الرسل 30:4) (الترجمة الكاثوليكية اليسوعية)

ومن العجيب أن العهد الجديد نفسه يؤكد أن السيد المسيح قد خلق في صورة الله كسائر البشر (التكوين 26:1)، ولذلك لم يحسب نفسه معادلا لله وارتضى العبودية لله شأنه شأن غيره من الناس. فنحن نقرأ: “فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ”. (فيلبي 2 :5-7)

وأخيرا، وردت آيات أخرى تؤكد أن السيد المسيح عبد الله ورسوله. فنحن نقرأ: “فمِن أَجلِكم أَوَّلاً أَقامَ اللهُ عَبدَه وأرسَله لِيُبارِكَكم، فيَتوبَ كُلَّ مِنكُم عن سَيِّئاتِه” (أعمال الرسل 26:3) (الترجمة الكاثوليكية اليسوعية)

كما نقرأ أيضا: “إِذَنْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ الَّذِينَ اشْتَرَكْتُمْ فِي الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، تَأَمَّلُوا يَسُوعَ: الرَّسُولَ وَرَئِيسَ الْكَهَنَةِ فِي الإِيمَانِ الَّذِي نَتَمَسَّكُ بِهِ. فَهُوَ أَمِينٌ لِلهِ فِي الْمُهِمَّةِ الَّتِي عَيَّنَهُ لَهَا، كَمَا كَانَ مُوسَى أَمِيناً فِي الْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِ اللهِ كُلِّهِ” (العبرانيين 3 :1-2)

ومما سبق يتضح أن السيد المسيح كان عبدا ورسولا متواضعا لله عز وجل بنص الكتاب المقدس. ومن كان كذلك لا يكون إلها، وإنما يكون الإله جبارا ومتكبرا ومتعاليا. وهذا الإله هو الله الواحد القهار.

_________

المراجع:

1- القرآن الكريم

2- الكتاب المقدس

3- موقع “albishara.org”

مواضيع ذات صلة